الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  السينما المغربية    
السينما المغربية بين الفنية والتداول الجماهيري

مازال سؤال الإبداع الفني يطرح نفسه بحدة في مجال السينما المغربية، ذلك أن هذه السينما حتى وهي تحقق مسارا متميزا بالمقارنة مع مثيلاتها في باقي البلدان العربية، فإنها لم تستطع بعد أن تصل إلى ما يريده منها عشاقها من نقاد سينمائيين ومهتمين سينيفليين، أولائك الذين تربوا على عشق سينما التأليف الفني القوي والبعد الفكري والرمزي الذي يتجاوز المعنى المباشر كي يصل إلى معنى المعنى. ما زال السؤال يطرح نفسه في الوسط الثقافي، هل استطاعت السينما المغربية التي راهن الوسط الثقافي عليها أن تبدع أفلاما سينمائية جيدة شكلا ومضمونا، محتوى وإخراجا، أفلاما جديرة بأن تمثل هذه السينما في مجال الإبداع الفني بشكل عام وفي المجال السينمائي داخل الوطن وخارجه بشكل خاص؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال بشكل مباشر وحاسم، رغم أن هذه السينما قد حققت بالفعل تراكما ملحوظا، كما حققت بعض أفلامها تميزا فنيا يستحق التشجيع بله التنويه به.


إنّ السينما المغربية وهي تكاد تتجاوز عشرين فيلما في السنة بالنسبة للأفلام السينمائية الطويلة وحدها، وقل أضعاف أضعاف ذلك فيما يتعلق بالأفلام السينمائية القصيرة، قد عرفت إشعاعا قويا في المجال الثقافي العام، وقد أثار هذا العدد من الأفلام السينمائية جدلا في الصحافة المغربية وبين النقاد السينمائيين والمهتمين بالمجال السينمائي أنفسهم، فالبعض منهم اعتبر أن إنتاج هذا الكم من الأفلام السينمائية سنويا هو إنجاز إيجابي في حد ذاته، لأنه بكل بساطة قد مكّن السينما المغربية من التواجد سواء في المهرجانات والملتقيات السينمائية الوطنية والقارية وحتى العالمية، في حين ذهب البعض الآخر إلى أن هذا التراكم لم يفد السينما المغربية في شيء، بل إنه ربما يكون قد أساء إليها من حيث الإبداعية، فقد شجع الكثير على خوض غمارها، وبالتالي فقد أفقدها ذلك ما كانت تمتاز به من جدية في التعامل والبعد الرؤيوي في النظر إلى العالم.


وبالعودة إلى المتن السينمائي المغربي لاسيما في الآونة الأخيرة يظهر لنا جليا أن السينما المغربية قد عرفت تحولا أساسيا في مسارها، شمل مستوى الكم والكيف معا على غرار باقي السينمات الفاعلة في العالم. فإذا كان هذا التراكم قد تحقق، فإنه بالفعل قد مكّن هذه السينما من التنويع في مواضيعها بحيث قد أصبحت تحتوي على مجموعة من الأفلام السينمائية التي يمكن أن ندخلها حسب القول المصري في خانة «الجمهور عايز كده»، وهي أفلام سينمائية قد استطاعت أن تجلب لمشاهدتها جمهورا كبيرا همه من السينما بالأساس يتجلى في أن تحقق له متعة فرجوية لا غير. كما أنها قد احتوت أيضا على مجموعة أخرى من الأفلام السينمائية حاولت الجمع بين الفرجة من جهة وطرح قضايا المجتمع بطريقة واضحة سلسة يفهمها الجميع من جهة أخرى، وهي بذلك، أي هذه الأفلام السينمائية، قد ظلت في مرحلة الوسط بين الاتجاهين، الاتجاه الشعبي البسيط والاتجاه الفني التأليفي. كما أن هذا التراكم في المقابل قد مكّن أيضا أفلاما سينمائية امتازت بقوتها الإبداعية وبتجريبيتها الفنية المركبة  من الحضور كذلك داخل المشهد السينمائي المغربي. هذه الأفلام السينمائية المغربية هي التي استطاعت أن تقدم وجها مشرقا للسينما المغربية في المهرجانات السينمائية العالمية بحيث تمكنت من الحصول على بعض الجوائز فيها والإشادة بها. وهو أمر إيجابي ومهم ويدعو إلى التفاؤل. وقد حرص النقد السينمائي المغربي على متابعة هذه الأفلام السينمائية  المتميزة والتنويه بها وتخصيص أيام سينمائية لدراستها، وتخصيص كتب لمخرجيها، كما دأبت على إنجاز ذلك  الجمعية المغربية لنقاد السينما على سبيل المثال.


إن هذا التنوع الذي أصبحت تعرفه السينما المغربية هو ما جعل منها سينما حية وفاعلة في تربة الثقافة المغربية وبالتالي فاعلة في تربة المجتمع أيضا، فكثير من الأفلام السينمائية المغربية قد استطاعت أن تحقق نقاشا قويا سواء حول المضامين الاجتماعية التي تطرقت إليها أو سواء حول كيفية تناول هذه المواضيع وتقديمها في إطار فني إما يتميز بالبساطة والسهولة وإما يمتاز بالكثافة والعمق.


إن السينما المغربية من خلال كثير من مبدعيها المتميزين، لاسيما من الجيل السينمائي الجديد الذي برهن على وعيه السينمائي المتقدم وعلى عمق ثقافته السينمائية، مطالبة اليوم بأن تسير خطوات كبرى في مسارها الفني بغية الوصول إلى تحقيق أفلام سينمائية قوية فنيا لكنها أيضا وفي مقابل ذلك تكون قادرة على أن تصل إلى عموم المشاهدين على اختلاف مشاربهم الثقافية ومستوياتهم الفكرية، كما هو الحال مثلا مع الأفلام السينمائية العالمية التي نجحت في تحقيق هذه المعادلة الفنية التي لم تعد صعبة على ذوي الاحتراف السينمائي الحقيقي.

نور الدين محقق