يبدو الأمر و كأنه بديهي حين نطالب بالاهتمام بالثقافة السينمائية و تشجيع الرغبة في الذهاب إلى السينما ومشاهدة الأفلام السينمائية بمختلف أنواعها بغية تذوق الفن السينمائي و الاستمتاع به من جهة و تكوين صورة عن المجتمع الذي تنتمي إليها هذه السينما أو تلك من جهة أخرى. ذلك أن السينما هي قبل هذا و ذاك ثقافة شاملة لابد للإنسان أن يلم بها و بعوالمها فهي تغني مداركه وتفتحه على عوالم إنسانية متكاملة . من هنا كان لا بد لهذه الثقافة السينمائية التي هي ثقافة الصورة بامتياز أن تتواجد في مختلف أماكن الحياة اليومية .لابد لها من أن تكون حاضرة في البرامج التعليمية ، لابد لها من أن تكون حاضرة في دور الشباب ، لابد لها من أن تكون حاضرة في المؤسسات الثقافية و الجمعيات المهتمة بالثقافة . وفي مقدمة هذه الجمعيات نجد كل من "اتحاد كتاب المغرب" و "بيت الشعر" . فهناك وشائج قوية تربط بين السينما و الأدب بمختلف تعبيراته النثرية منها و الشعرية ، كما أن هناك وشائج قوية تربط كذلك بين كل من السينما و الفنون الأخرى كالمسرح والتشكيل و غيرهما وهو ما يتطلب إقامة ندوات ثقافية تربط بين مختلف هذه الفنون وتقف بالخصوص عند المشترك بينها و تعمل على تقويته بما يخدم ليس السينما فحسب بل حتى الفنون الأخرى المتعالقة معها.
من هنا تبدو الثقافة السينمائية حاضرة في مختلف المجالات و هو ما يدعو إلى الاهتمام بها بشكل قوي . يتجلى هذا الاهتمام في جعل السينما في صلب الاهتمام الثقافي و ذلك عن طريق تشجيع النقد السينمائي و فتح المجال أمام النقاد السينمائيين لحضور مختلف المهرجانات السينمائية ، بعيدا عن عملية قيامهم بتغطية أشغال المهرجان فحسب ، بل بإشراكهم في إدارة الندوات وفي عملية تقييم الأفلام المقدمة .كما يتجلى أيضا الاهتمام بالسينما في عموميتها في تشجيع المجلات السينمائية و في تشجيع الإصدارات المتعلقة بالمجال السينمائي سواء كانت في شكل كتب فردية أو في شكل كتب جماعية .
إننا حين نقول بهذا الأمر ، فهذا لا يعني بأن المجال السينمائي وحده هو ما يجب الاهتمام به ، بل يعني قبل كل شيء جعل المشهد الثقافي المغربي في كليته مركز اهتمام . الاهتمام يجب أن ينصب على الكلمة كما يجب أن ينصب على الصورة ، ويهتم بالصورة كما يهتم بالكلمة ، في تكامل ثقافي منسجم ، بعضه يكمل بعضا وبعضه يستفيد من بعض .
إن عملية الاهتمام بالمجال السينمائي هي عملية بشكل واضح عملية الولوج القوي و الدائم إلى روح العصر الذي هو عصر الصورة بمختلف تجلياتها ، و معرفة الصورة عن طريق المشاهدة أولا و عن طريق تعلم أدوات قراءة هذه الصورة وفك رموزها ثانيا هو ما يجعل من الجيل الجديد جيلا يعي ذاته ويعي العالم الذي يعيش فيه وينفتح على مكوناته بشكل حضاري مسؤول خصوصا و أنه يستعمل الصورة بشكل يومي بدءا من الهاتف المحمول و ليس انتهاء بالتلفزيون و الأنترنت .ثم و هذا هو المقصود لأن هذا الانفتاح يكون مبنيا على قيم التعارف و التسامح و احترام خصوصيات الآخر القريب و البعيد على حد سواء. وهو ما دفع المفكرين إلى اعتبار أن السينما دائما كانت تدعو إلى حب الحياة و إلى معرفتها بشكل أفضل. شكل يطل عليها من مختلف جوانبها الإنسانية ، و يدعو بالتالي إلى الاهتمام بها في مختلف جوانبها الإنسانية هاته .ذلك أن الذين يحبون الحياة يذهبون إلى السينما ، وأن الذين يذهبون إلى السينما هم محبو الحياة .
هكذا تكون الدعوة إلى الاهتمام بالسينما هي في العمق دعوة ثقافية إنسانية لمحبة الحياة .