الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  رؤى نقدية    
شريط « زيرو».. هل هي المعادلة الجديدة للسينما المغربية؟

  مصطفى الطالب   

 يقول المثل العربي: تمخض الجبل فولد فأرا. لعل هذا المثل يصدق على الشريط الأخير لنور الدين لخماري «زيرو»، ولاسيما أن الفيلم سبقته دعاية أكبر من حجمه وكأنه شريط السنة. إضافة إلى أن المخرج كرس سنتين لكتابة السيناريو كما صرح بذلك للإعلام. للأسف، تمخض عن السنتين فيلم بمضمون ضعيف حتى إنه ليخيل للمشاهد أنه من صنع هاوٍ وليس من صنع محترف مسؤول؛ فالقصة جاءت بمشاهد تحيلنا على الأفلام التجارية التي تستهوي فئة معينة من الشباب.
مفارقة عجيبة: سنتان شهد فيهما العالم العربي ربيعه وحراكه متطلعا نحو التغيير، وتغيرت عقلية المواطن الذي لم يعد يستسيغ ما يقدم إليه في ظل المنافسة والتطور التكنولوجي. كل هذا وسينمانا لم تعرف أي تغيير.. مخرجونا خارج التغطية.
إن الذي شاهد الشريط الإيراني «طابور»، الحاصل على جائزة التحكيم في مهرجان مراكش الدولي في دورته الأخيرة، ثم شاهد الشريط المغربي « زيرو»، يرى الفرق واضحا بين الشريطين وبين المخرجين وبين الرؤيتين وبين الحمولتين الفكريتين لكل منهما.. سنوات ضوئية بينهما. يرى الصنعة السينمائية والحبكة السيناريستية والفلسفة الجمالية، إذا صح التعبير، للمخرج الإيراني فاهيد فكيلفار الذي تطرق للمعاناة الإنسانية بشكل راق وذكي دون كلام ساقط ولا مشاهد جرأة مجانية، بل كانت جرأةً في الطرح ونقد المجتمع المعاصر بمدنيته وتحضره وبقيمه الجديدة.
أحيانا، يتساءل المرء: ما الفرق بيننا وبينهم أو بين مخرجيهم ومخرجينا؟ هل يتوفرون على جينات أخرى غير جينات البشر؟ الجواب يكمن في امتلاك رؤية حضارية، وفي المنطلق والغاية من مزاولة الفن السابع، فواحد يريد الإمتاع والمؤانسة والنفع، وآخر يريد أن يهدم ويعبث ويتاجر.. لا يستويان.
تطرقت للمضمون لأننا اليوم تجاوزنا زمن الأخطاء التقنية أو الفنية ولم يعد ذلك هاجسا لدى المخرجين أو المحللين. لكن يجب ألا ننسى أن التقنية تكون في خدمة الفكرة كما هو متعارف عليه لدى السينمائيين العالميين. للأسف، فيلم "زيرو" (عنوان الفيلم يحمل اسم البطل، وهو مخبر) خرج عن هذه القاعدة فجاء مخيبا لتطلعاتنا. قد يكون الفيلم تضمن بعض اللقطات المتميزة أو موسيقى جيدة، لكن أي شريط سينمائي يعتمد أساسا سيناريوها محكما وقصة مشوقة، الشيء الذي يغيب في هذا الفيلم.
وفي هذا السياق، سنقف على جزء صغير من بعض الاختيارات التي أساءت إلى الفيلم: أولا: الشريط عبارة عن مقاطع (مضمونا وشكلا) مستوحاة من أفلام أمريكية يعرفها كل متتبع للسينما الأمريكية، خاصة شخصية المخبر/البطل (الباحث عن العدالة في المدينة) الذي يعاقر الخمر أو يصاحب قنينة ويسكي، وهي شخصية لا علاقة لها بواقعنا المغربي. لهذا كان الفيلم أمريكيا بممثلين مغاربة، أي فاقدا لمصداقيته. من المؤكد أن كل مخرج متأثر برائد من رواد السينما العالمية، ويحاول أن يوحي إلى ذلك ببعض اللقطات أو بعض المشاهد . لكن أن يصل الأمر إلى حد النسخ منذ بداية الفيلم إلى نهايته، فهذا دليل على عقم في الإبداع والتخيل والكتابة.
ثانيا: من القواعد السينمائية الأخرى أن أي معطى (صغير أو كبير) في الفيلم له دلالته في القصة وله مكانته في البناء الدرامي والسردي، فلا مكان للعبث.  غير أن شريط «زيرو» تضمن عدة معطيات لم نرَ لها وظيفة درامية، فمثلا من غير المعقول أن يستعمل الكلام المبتذل والساقط والمنحط منذ البداية إلى النهاية، بدون مبرر؛ فهناك سطحية مفرطة في الحوار الذي ترجم من الفرنسية إلى العربية، وهذه معضلة أخرى؛ فقد تم تغييب دور الحوار في الرفع من إيقاع الشريط وإضافة الجديد إلى الشخصيات وإبراز كوامنها وعمق أفكارها. وهذا يدل على أن الغرض هو الإثارة المجانية فقط والربح المادي، علما بأن هذا الحوار المبتذل أساء إلى ممثلين كبار شاركوا في الفيلم.
هذا فضلا عن تكرار بعض المشاهد الطويلة التي «أضفت» شيئا من الرتابة والملل على الفيلم التي تاهت بوصلته في الطريق، حيث لم نرَ محورا رئيسيا في الفيلم (أي الخيط الناظم) إلا بعد ما يزيد على 30 دقيقة؛ وهو زمن طويل ومخل بتقنيات السيناريو والإخراج، حيث الطبيعي أن يستغرق الزمن المنقضي قبل الدخول في عقدة الفيلم 10 أو 15 دقيقة.
 أيضا، من الأمور غير المبررة تلك اللقطة التي لا وظيفة لها ولا مغزى، والتي نرى فيها الممثل «سعيد باي» عاريا وهو يعانق الحائط والكاميرا مركزة على مؤخرته. الشخصية التي يؤديها سعيد باي، المحب للفراشات (وواشم الفراشات على جسم الفتيات التي يتم تشغيلهن في الدعارة)، هي الأخرى مستوحاة من شريط أمريكي معروف.
من جهة أخرى، يمكن القول إن هناك خللا على مستوى المرجعية السينمائية المتعامل معها من طرف المخرج، لأن الإحالة على أعمال سينمائية أخرى تكون أساسا (وطبيعيا) من داخل الفيلموغرافيا المحلية، أي المغربية، التي يعرفها المشاهد المغربي وليس من خارجها، إلا إذا كان المخرج يتعامل بانتقائية مع الجمهور، وهذا فيه حيف ولا يخدم السينما المغربية في شيء؛ فالمرجعية السينمائية المحلية هي نفس المرجعية التي يتقاسمها المشاهد مع المخرج المغربي، وليست مرجعية أخرى (حتى وإن كانت عالمية) قد تختلف من مشاهد إلى آخر. وترسيخ هذه المرجعية فيه خدمة كبيرة للسينما المغربية، وإلا فما فائدة الكم المتزايد في الإنتاج إذا لم يعمل على تقوية تلك المرجعية السينمائية في المخيال الجماعي للمشاهدين المغاربة وبعث إحساس الاعتزاز بها لديهم، عوض الانبهار فقط بما هو خارجي.
 في تصريح للمخرج الأمريكي أوليفر ستون: «عندما أشاهد أول خمس عشرة لقطة من فيلم طويل، أعرف ما يدور في ذهن المخرج على وجه الخصوص إن كان عنده شيء يقوله. فما يهمني هو نظرته إلى العالم والباقي ديكور".
سؤالنا: على مدى ما يقارب الساعتين، أي شيء يقدمه فيلم «زيرو» للمشاهد؟ أو أي نظرة للعالم يقدمها إلينا؟ الجواب: لا شيء، صفر، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. إن الفيلم تتخلله مساحة شاسعة من الفراغات والبياضات.. فراغات في الأمكنة والأزمنة والأفكار والشخصيات وحواراتها التي تعكس الخواء الفكري والروحي الذي يعاني منه مخرج الشريط. وبدون الدخول في التحليل الإكلينيكي للفيلم، فإن هذا الأخير تخيم عليه حالة من المراهقة واستيهامات مراهق لا مسؤول.. إنها سينما متجاوزة.
 إن تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية والواقعية بأفراحها وأحزانها، بقسوتها ونعومتها، ليس أمرا سهلا، وليس بشخصية متشرد ومتسكع (وإن كانت شخصية لا يستهان بها سينمائيا) + قنينة خمر + كلام ساقط؛ فهذه معادلة خاطئة، بل الأمر يتطلب من السينمائي جهدا فكريا وفنيا ورؤية فلسفية تنسج خيوطها بطريقة محكمة ومبسطة في قالب جمالي يشد المتلقي أو المشاهد. كما يتطلب منه الأمر أيضا الإحساس القوي بالمسؤولية تجاه ذلك المتلقي وليس الاستهتار بمشاعره وذوقه وبحياته التي هي أغلى ما يملكه، وبوقته الذي يبحث فيه عن المتعة والفكرة في آن واحد.
إن بعض الأفلام المغربية (الطاغية على الساحة بإثارتها المجانية) التي ظهرت في الآونة الأخيرة حشرت السينما المغربية في نفق مظلم وتنذر بإفلاس سينمائي حقيقي إذا لم يتدارك الأمر؛ فنتمنى أن تكون السنة المقبلة سنة إبداع سينمائي مغربي مسؤول وراشد.

مصطفى الطالب