الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
ماذا قدمنا لسينما الهواة ببلادنا؟

  فؤاد زويريق   

يعتبر الفيلم السينمائي خطابا فكريا وثقافيا وابداعا فنيا متكامل العناصر، يسعى صاحبه من خلال رؤية معينة الى التأثير على المُشاهد، بامتلاك حسه الشعوري والفكري، لذا تمثل السينما قيمة فنية بكل تمظهراتها الانسانية.
 السينما أجناس متعددة لكل واحد منها معاييره وامتيازاته، وسينما الهواة جنس من هذه الأجناس، إلا أنها تبقى الطرف الأضعف  في معادلة ضخمة اختلطت فيها هواجس الفن بكل ماهو تجاري وسياسي وثقافي واجتماعي...
لا شك أن سينما الهواة في بلادنا تعاني ظلما وإجحافا، وربما تحقيرا وانكارا قد يهدد مستقبلها و يؤثر في قدرتها على الاستمرار والعطاء، قد يتبادر الى ذهن البعض انني أشير هنا الى الجانب المادي والتمويلي، بالقطع لا، لأن أفلام الهواة ليست بحاجة الى ميزانيات ضخمة حتى تظهر فوق السطح، وإلا انتقلت الى خانة الاحتراف، أتكلم هنا، أولا عن ضعف المواكبة الاعلامية للفعاليات التي تقام من أجلها، مقارنة مع باقي الفعاليات الاخرى وما يرافقها من تزمير وتطبيل، ثانيا عدم التطرق الى هذه السينما ومواكبتها نقديا، ثالثا ضعف الورشات والدورات التكوينية، رابعا عدم تخصيص مجلات تتناول هذه السينما بتحاليل ومناقشات مستفيضة وبدينامية تساير سيرورتها، خامسا انعدام الكتب والدراسات الاكاديمية في الخزانة الوطنية حتى يتمكن رواد هذا الجنس من التعمق في آلياته النظرية والعملية، والعديد من الأسباب التي قد تؤدي بلا شك الى نتائج كارثية تكون هذه السينما مسرحا لها، مع العلم ان بعض أفلام الهواة تضاهي في قيمتها الابداعية إن لم نقل تفوق أغلب الأفلام الموصوفة بالمحترفة في بلادنا، وذلك لمرونتها، وقدرتها على التجاوب مع الواقع الانساني المعيش، وعكس هذا الواقع فنيا بما يتلاءم والجمهور المغربي، بالإضافة الى انضباطها الثقافي والاجتماعي والتراثي...بل تجدها سينما محافظة بامتياز، كون المخرجين الهواة - وهذا ما أثارني - لهم قدرة عجيبة على الرقابة الذاتية وهذا نابع من عدة أسباب نذكر منها، استقلالهم المادي بخضوع ميزانيتهم في أغلب الأحيان الى التمويل الذاتي، احتكاكهم اليومي بالمجتمع ومشاكله ومتطلباته بخلاف بعض المخرجين (المحترفين) ، الاستفادة من تجارب الافلام المنتجة احترافيا، وتتبع كل ما يمسها اعلاميا ونقديا... وبالتالي تفادي أخطائها.
للمخرج الهاوي إرادة قوية على المغامرة، والحاح أقوى على الصمود في وجه كل ما يعوقه ويحول بينه وبين مشروعه، وهو عارف ومتيقن انه خاسر ماليا لامحالة ، ولا مجال لديه بالمرة للمناورة التجارية، ومع ذلك تجده بعد كل مشروع يصدره، يفاخر به ويقوم بنفسه على نشره اعلاميا وحسب الامكانيات المتاحة له، وقد وقفت شخصيا على العديد منهم في الشبكات الاجتماعية وهم يعرضون اعمالهم ويعقدون حلقات تواصلية مع مريدي صفحاتهم يستمعون لنصائح جمهورهم ويناقشون آراءهم بكل صدق وجرأة، بعيدا عن التوتر والتشنج الذي تجده عند اصحاب بعض الأفلام التي تحسب على السينما المحترفة، بل قد تجد منهم - وهنا أعني الفئة الأخيرة- من لا يتواصل نهائيا مع معجبيه، تجده متكبرا مغرورا، ولا نفهم... بل نتعجب من سبب فتحه حسابا داخل هذه الشبكات وقبول آلاف المعجبين داخل صفحته إذا كان أصلا يتأفف من التواصل معهم.
المخرج الهاوي في المغرب له موهبته فقط، والحاح هذه الموهبة عليه، تدفعه الى تلبية احتياجاته الفنية والابداعية، وبالتالي نقلها عبر بناء فيلمي قد يكون صلبا وقد يكون مرنا، لكنه (المخرج) في الأخير يتحرك ويناور حسب امكانياته الذاتية دون استسلام وهذا يحسب له، صحيح انه قد يصيب وقد يخطئ، لكنه في كلتا الحالتين له أجران.
كم أحترم المخرج الهاوي وهو يعرض ابداعه بكل فخر وهو متيقن من ان ابداعه هذا ضعيف وفقير من الناحية التقنية لكنه قوي وغني من الناحية الابداعية والفكرية ، كم احترمه وهو يناقش فكرة الفيلم ورؤية صاحبه دون البكاء على الدعم والتمويل وماشابههما، وهي ثقافة، للأسف احترفها بعض المحترفين رغم كساد بضاعتهم.
 المخرج الهاوي جندي خفي، يمارس فعله السينمائي بحرية ودون قيود، وهذه ميزة تساهم في الرقي بجذوته الابداعية وتوقدها داخل اطار تجريبي مكتمل الاضلاع. لا ننكر ان في بلادنا طاقات سينمائية واعدة ينقصها فقط ترتيب منزلها الداخلي والتكتل داخل تجمعات وكيانات مستقلة تحفظ كرامتها وحقوقها، وتدفع بها إلى تشييد مرحلة جديدة، مرحلة الريادة والانتشار، كما تساعدها على حماية مشاريعها من طغيان العبث واللامعقول الذي أصبح يضج بهما هذا الميدان، لا نسعى هنا الى رسم صورة قاتمة لهذا المجال بقدرما نسعى لتحقيق فرص متكافئة لفئة معينة مازالت تناضل في صمت ومن اللاشيء من أجل مشاريع فنية جادة تحتاج إلى دعم واحتضان، ليس ماديا فقط بل اعلاميا كذلك حتى يتسنى للمشاهد التعرف على نوع آخر من افلام ما زال يجهلها، أفلام قد تعكس رؤيته وتفكيره.
 للأسف الشديد مازالت هذه السينما ترزح تحت نير التهميش والاقصاء، زيادة على عدم اقتناع البعض برسالتها وأهدافها، إضافة إلى اللامبالاة التي تتعرض لها من البعض الآخر الذين هم يرون عن قناعة راسخة بأن الشهرة والمال لا يتأتيان إلا عن طريق نوعية معينة ومحددة من الأفلام. ورغم ذلك تنبثق من حين لآخر مبادرات شخصية وأخرى جمعوية، تسعى للأخذ بيد هذه السينما وتأطير أصحابها، من بين هذه المبادرات المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات الذي تجري فعالياته هذه الأيام ضمن دورته العاشرة، (29-11-2016 الى 03-12-2016) مهرجان نجح رغم قلة الامكانيات في لم شمل السينمائيين الهواة ببلادنا، وفرض وجوده على الساحة كعرف سنوي للاحتفاء بأفلامهم وعرضها أمام الجمهور، يبقى مهرجان فيلم الهواة بسطات متميزا لكونه يتمركز حول هوية المبدع الهاوي بدل هوية المبدع التربوي أو المبدع الشاب أو المبدع الأمازيغي... التي تركز أكثر على مكون الهوية المهنية أوالعمرية أو اللغوية. كما قال مديره ضمير اليقوتي ذات حوار.
نتمنى أن نشاهد أفلاما لمخرجين هواة على قنواتنا الوطنية، ولما لا في قاعاتنا السينمائية، أو على الأقل تمويل قناة خاصة على الانترنت تعرف بكل ماهو جديد في هذا القطاع ولا ضير أن يكون الانخراط فيها مؤدى عنه، كما نتساءل لما لا تكون هناك مشاركات فعالة لممثلين (نجوم) مغاربة في مثل هذه الأعمال ولو بأجر رمزي مساهمة منهم في الرفع من معنويات أصحابها.
 ختاما علينا جميعا أن نشجع كل مبادرة أو مشروع يشجع هذه النوعية من الأفلام حتى لا تصاب عجلة سينمانا الوطنية بالصدإ ويتوقف انتاجها، فما يجب أن يعرفه الجميع أن سينما الهواة هي أرضية صلبة وثروة خام لسينما محترفة وهذا ما يجب أن يعيه المسؤولون على هذا القطاع في بلادنا.

*قاص وناقد سينمائي
فؤاد زويريق*