الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
رفيق بوبكر، نصير الطاسة و القرطاسة و القسم8

تعرفت على رفيق بوبكر، منتصف سنوات التسعينات من القرن الماضي، بأماكن و فضاءات مغربية أصيلة، أساسا مدينة ورزازات السينمائية، حيث كان يتردد على هذه الحاضرة المنفلتة من عقال الزمن المغربي المعاصر الرتيب،المنفتحة على كل الأزمنة و العصور و اللغات و الأشياء الجميلة المثيرة، حيث كان يشارك هناك في عشرات الأفلام الإنجيلية (خاصة منها الايطالية) التي صورت بها. إلتقيته مرارا و تكرارا، رفقة مجموعة كبيرة من صناع الصورة البهية، المساهمين في تسويق الوجه الفني المغربي، و الباحثين في نفس الآن، عن لحظات العيش الهنية، ليصبح مع مرور الأيام و توالي الشهور و الأعوام، صديقا و أخا لي، بل ربيبا حقيقيا في تذوق مباهج الحياة و الدفاع عن أسرارها الخبيئة الغائبة عن ملايين البشر، البشر الهائم العائش، جسدا دون روح أو طلاوة أو حلاوة ..
رفيق بوبكر فنان، متميز عن كل الفنانين المغاربة، تميز لا يعني أنه أحسن منهم حضورا و قوة أو عطاءا و ثقافة، لكنه أقواهم و أحسنهم ، خفة و شغبا و تمردا، على الأعراف الفنية المرعية، والتقاليد المسيجة بالأخلاق الزائدة الجامدة ، وأكثرهم انتصارا للفوضى المثيرة الدالة على الحيوية، و المقالب المريبة المخيفة الخالدة اللامنتهية.
شغب دائم و مقالب متتالية، أثناء التصوير و في الحياة العادية، جرت عليه ( و لازالت تجر عليه ) الكثير من الويلات و النقد المحافظ و الخصومات المتتالية، و المشاحنات و المضاربات (من الضرب) المتأرجحة بين السكر و اليقظة الليلية، و غضب وتأفف بعض الزملاء و الأصدقاء، الذين يحسبون أنفسهم أكثر وقارا و جدية، و جزء من الجمهور الأكثر نزقا و نفاقا و سطحية. لكن بوبكر ظل كما هو طوال سنواته الفنية و ممارسته الإبداعية: رفيق ثابت على تمرده و نزقه الصافي ومبادئه الإنسانية، رفيق للصنعة الحقة المبهجة البهية، رفيق لدرب الحب و الإخلاص والوفاء النادر لجموع الناس، في كل الأماكن، خاصة منها الهامشية، رفيق للأحبة و عشاق المواقف الثابتة الرجولية، رفيق للسينما الجيدة الجديدة المفيدة الطرية، و صديق حتى للسوليما (في بعض الأحيان) الأقل جودة و تخلفا في خلاصتها و رسائلها المجتمعية، سوليما يساهم فيها، من باب طلب الرزق و سد الرمق و تلبية الحاجات العائلية..
عشرات الأدوار، المتفاوتة القيمة و الصدق في انتصارها للرسائل السامية، أداها بحرفية عالية، حرفية تستند على موهبة ربانية و لثغة في النطق و الكلام المسترسل بكل دربة و حرفية، و زرقة عينيه المخترقتين لأفئدة النسوة العاشقات لطلته البهية ، و تمرده الجامح المتفرد المتحرر من ربقة المرجعيات الإسلامية الوهابية الظلامية، و عباراته الخادشة للحياء القادرة على رج أحاسيس الناس الأكثر انتصارا للإبداع ومفاهيم الحرية.
عشرات الأفلام المغربية و الأجنبية، في التلفزيون و السينما، ساهم في إشعاعها و حضورها في قلوب المشاهدين و تقريبها من وجدانهم بأدواره المتفردة النافرة من عقال الأكليشيهات و المواقف السطحية ، من ينسى أدواره في أفلام : " الحاج المختار الصولدي" لمصطفى الدرقاوي و " طيف نزار" و"السمفونية المغربية " و " الصوت الخفي " لكمال كمال و " إكس شمكار" لمحمود فريطس و " عقاب " لهشام عين الحياة .. لكن الفيلم التلفزي " القسم 8 " لجمال بلمجدوب، يظل العلامة الأكثر قوة و دلالة على موهبته المتفردة، فيلم ارتبط باسمه أكثر من ارتباط أي فيلم آخر، فيلم إلتصق به أكثر من إلتصاقه بمنتجه أو مخرجه أو باقي الممثلين المشاركين فيه، فيلم ساهم فيه بكامل جوارحه و موهبته، أعطاه كل ما يملك من إمكانياته في التقمص و الخلق، ألبس الدور نفحة تمردية مختلفة، نفحة تمردية مستمدة من هواجس و واقع عشرات الشباب المغربي المهمش، الشباب الواقع في حضن الفوضى و الخروج عن المألوف و الأعراف و التقاليد التربوية البالية، تقاليد قادت أجيال متعاقبة، نحو الخواء الفكري و الروحي و العماء العلمي القاتل، و انتظار سراب الأمل المفقود و المستقبل الكالح كسواد البرامج التعليمية في المدارس المغربية. فلا عجب أن وجد آلاف الجماهير، خاصة التلاميذ و الطلبة، أنفسهم في دور التلميذ مجيد المشاغب .
رفيق ليس فقط التمثيل و الشغب الليلي و النهاري و الطاسة و القرطاسة و القسم ثمانية ، بل روح إنسانية وثابة، و مشاعر هشة جياشة ، و نصير للناس الغلابة، وصدق صارم صادم يجرب قوله و ترديده كلما عنت له الفرصة بمناسبة أو دون مناسبة، مناسبة الوقوف أمام الكاميرات التلفزية أو الجلوس وراء الميكروفونات الإذاعية المستفزة، صدق عامر غامر بتجاربه الحياتية الفنية، صدق غارق في التفاصيل الهامة، و الأقل أهمية البعيدة عن الأجواء الرسمية، أجواء الاستوديوهات التصويرية و الجلسات الحميمة و المغامرات الليلية والصباحية، صدق لا مكان فيه لطلاء القول بالألوان الزاهية القزحية، و لا مكان فيه للوك الكلام ومضغ العبارات الجارحة الدامية، صدق نابع من عمق قلب مفتوح على كل الاحتمالات و المساحات الصدرية الشاسعة، شساعة تجاربه الحياتية، ومغامراته النسائية و علاقاته الاجتماعية المتشعبة اللامتناهية..
دمت بهيا متمردا عصيا، على التقاليد و الأعراف و المواقف المجتمعية البالية، يا رفيق درب الفن و زعيم الحرافيش المغربية.

عبد الإله الجوهري