الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
داود أولاد السيد ، السينمائي المغربي الأصيل

على هامش تكريم صديقي داود أولاد السيد ، بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ، في دورته الثانية و العشرون ، التي ستنظم في الفترة الممتدة ما بين 26 مارس و 2 ابريل 2016 ، أبعث له و لأصدقاء السينما آلاف التحايا..
منذ ظهوره في الساحة السينمائية المغربية ، ظل داود أولاد السيد ، دائما و أبدا ، كما هو ، فنان بقناعات فنية مختلفة ، قناعات إبداعية لا تتغير ، و نضال سينمائي فني مستمر، من أجل تكريس معالم سينما مغربية مغايرة ، سينما تنتصر للعين الحاذقة أولا و أخيرا، هذا دون التفريط في تقديم و تقديس لذة الروح و الوجدان ، بتوظيف فضاءات شاسعة منفتحة على عمق الوجود و الذكريات المنذورة للنسيان ، وحوارات شعبية مباشرة صادمة باذخة ، مقتطعة من واقع المغرب و حب المغاربة ، وأجمل ما في دواخل و عمق عمق الإنسان ..
داود أولاد السيد ، صنعة مغربية أصيلة ، تنهل من معين تراثها المغربي ، و تقنية و فنية و جمالية سينمائية حداثية ، تستند على رؤى بصرية عارفة بتفاصيل الحياة و مآسيها ، عالمة بالوجوه القاسية للبشر و الحجر و الشجر ، ملمة بعمق المشاعر الإنسانية الصاخبة الضاجة بالمتناقضات و الرغبات التي لا تنتهي و لن تنتهي ، رغبات الظهور و البوح و التصرف وفق العادة و التقاليد المغروسة في طينة أرض تعيش في / على الدين السالب لمنطق العقل و الموجه للمشاعر الأكثر بدائية و الأحلام الواهية الفاضية ..
عندما جاء داود أولاد السيد لعالم السينما ، كان قد تسلح قبليا ، بمعرفة بصرية حاذقة ذات ملامح جد خاصة ، و مع مرور الوقت و الزمن ، تعلم أكثر فأكثر ، كيفية أسر كنه الوجود و اصطياد الأشياء التي ترى و المعاني الخبيئة التي لا ترى ، من خلال الآلة الفوتوغرافية الصماء ، النابضة بين يديه بقوة الفهم و إعادة تركيب جمال الحياة ، و إنتاج صور ضاجة بالصخب و السكون و الهدوء الكوني ، و الألوان المتداخلة المتوحدة بين الأبيض و الأسود في جل الحالات ، و ألوان قزحية في بعض المرات ، ألوان متوحدة متجمعة في إطار بصري محدد ، كحزمة ضوء منسلة من بين أصابع قبح الوقت ، و احتلال الجهلة مراقد المعرفة و الجلوس على الكراسي الوثيرة ، و محاولة التحكم في الضمائر الحية ، و الطاقات النافرة المتمردة ، من اجل وضع أسس جديدة وصنع ثقافة بصرية مخالفة مجددة .
لقاء داود أولاد السيد بأحمد البوعناني ، أو بسيد غزل الوقت و ترويض النور و التحكم في الفن ، و تدبيج الكلام الدال المرصع ، شعرا و نثرا ، و كتابة السيناريوهات المحلقة في سماء الإختلاف، جعله يقع في حضن الخلق ، و ينهل من معينه الشافي ، بإنجاز أفلام قصيرة فائضة بروح الخلق و العطاء ، أعمال نذكر منها : " الواد " و " بين الغياب و النسيان " و " الذاكرة المغرة " و فيلم روائي طويل مثير بعنوان " باي باي سويرتي " ، الذي أعلن رسميا عن ميلاد مخرج مختلف ، مخرج يعزف بعيدا عن الآخرين ، لحنا سينمائيا متفردا ، رغم قساوة الأجواء الموظفة الملتحفة بمفاهيم الكره و النبذ و الاختلاف الجنسي ، و شدة المواجهات و التناقضات البشرية غارقة في لجة الذات المكتوية بأحكام الدين و القدر ، من خلال حبكة متمردة هاربة عن العوالم المألوفة ، العوالم التي دأبت السينما المغربية على نسجها و إعادة إنتاجها ، فلا عجب أن حقق الإجماع النقدي و في نفس الآن النفور الجماهيري ، لمتفرجين تعودوا على الفرجة الكسولة و المشاهدة بالعيون المسمولة ، عيون مكتفية بالبحث عن سطح الصورة و العواطف الخائفة الزائلة الزائفة .
تتالت أفلام و نجاحات داود أولاد السيد ، الوطنية و الدولية ، و الحصول على الجوائز و التكريمات في المهرجانات و التظاهرات الثقافية و الفنية العالمية ، أفلام و أفلام نذكرها تباعا : " عود الريح " و " طرفاية " و " في انتظار بازوليني " و " الجامع " ، أفلام جاءت كلها وفية للتصورات الإبداعية المسطرة منذ البداية ، و مديح غارق في عوالم الفقر و التهميش و ضنك العيش ، أفلام سابرة لأغوار النفوس الفقيرة المهمشة الطيبة ، و المساكين الأوفياء لمحيطهم الخاوي و عوالمهم الذاوية المنذورة للشيح و الريح و الرمل ، خالقة لحظات الفرجة الذكية و النقاشات الصحفية و النقدية و متابعات البرامج التلفزية ..
لداود اولاد السيد ، سمة الجد و الهزل ، و طبع الغضب و الجدل ، و روح النكتة و المواقف المراكشية الحقة ، له ما ليس لغيره ، من نبل الدفاع عن الحق و السينما الجيدة ، له ما ليس لغيره في الحب و الوفاء و قول الكلام المباح و غير المباح ، في المواقف الإنسانية و الزيارات العائلية و الجلسات المعرفية ، له قامة الرجال الزرق و سعف نخيل الجنوب ، و قلب طفل تعود على حب النفس ، و الهروب من محن الوقت ، و التعلق بتلابيب النشوة و النخوة ، و قرع كؤوس الجدة و اللذة بين الأحضان الإنسانية العاشقة المجدة .
للزمن المغربي المنفتح على جمال الخلق و الإبداع سلاما ، و للإبداع السينمائي الوطني المختلف الرافض لخنوع العجزة سلاما ، و لداود أولاد السيد المبدع البهي النقي ، أقول بكل حب و صدق ، سلاما سلاما سلاما..

عبد الإله الجوهري