الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  السينما العربية    
فيلم "المصلحة".. ما لا يُدرَك كله .. لا يُترَك كله

  ملصق فيلم   

مَن الذي يحب السينما .. ولا يحب فيلم ساندرا نشأت الجميل "مبروك وبلبل"!، الدافئ الممتلئ بالتفاصيل والإنسانيات.. لستُ أتصور أن ثمة أحدا يفعل، مع أن مخرجتنا الجميلة التي أحبت فيلمها بلا شك، اختارت السير في اتجاه آخر تماما..
ساندرا منذ فيلميها "حرامية في كي جي تو" ثم "حرامية في تايلاند"، راحت تجرب نوعا سينمائيا رائجا للغاية، سينما خفيفة، كوميديا مع بضع مشاهد أكشن وقصة حب.. وفي بلاد لا تُقدر السينمائيين كثيرا مثل بلادنا، تستحيل نجاحات الشباك لعروسة بحر سحرية .. نداهة، تجذب من يقترب منها مخرجا، لتدوّخه..
هكذا بدا أن ساندرا اختارت تاريخها، والأفلام التي تشبهها، وترضيها، -لاحقا سوف تتفرغ تقريبا للعمل مع أحمد عز قدمت معه أربعة أفلام، آخرهم "المصلحة"- أنا شاهدت "المصلحة" بهذه الروح، وهذا الفكر.. وأقول أن ساندرا لم تخيب ظني وما بدلت فكري .
"المصلحة" فيلم تجاري، يمنحك الأشياء التي تتوقعها منه، أكشن، نجوم كُثر في فيلم واحد "عز والسقا، حنان ترك وزينة وكندة علوش وأيضا خالد صالح كضيف شرف"، وخيوط بوليسية متناثرة، وفي الأخير انتقام عادل.. لذلك ما كان غريبا أن يقرر بعض متابعي السينما الشباب أنه أفضل أفلام هذا العام..  فالمصلحة أدى الغرض المطلوب منه بالضبط.
في البدء، تتبدى ظلال فيلم "الجزيرة" لشريف عرفة على "المصلحة".. الجبال الشاهقة.. وزراعة المخدرات.. وتواجد الداخلية، والدولة داخل الدولة ،هي بدقة أجواء فيلم شريف عرفة.. مع المضي في الفيلم الذي يلعب فيه هنا "السقا" دور الضابط بديلا عن المجرم، يصبح بإمكانك  توقع كل الأحداث التي يسيّرها الفيلم، وهذه عادة مصرية أصيلة في أفلام الأكشن للأسف، مع ذلك ليس يُمكن بأي حال إنكار أن الأحداث ستجذبك لمتابعتها، بلفتاتها الدرامية خارج إطار الأكشن، وبحضور نجوم في مساحات أصغر من قدراتهم "زينة  في دور شادية"، وبعبارات كوميدية بالغة الخفة والرشاقة ..
تيمة الفيلم الأصلية هي تيمة الانتقام، الذي سيمارسه البطلان بالتبادل بينهما، هذا هو الوتر الذي انبثق منه أفيش الفيلم "الذي لم يراع اتجاهات أعين الأبطال بشكل سليم" وهي ذاتها التيمة التي لم تُراع في عنوان الفيلم فالمصلحة "شُحنة المخدرات" ليست محور الفيلم أصلا، وكان يمكن  التخلي عن كل تفاصيل تهريب الشُحنة في مقابل التركيز على تدبير الانتقام، لكن هي إرادة السيناريست التي ليس فوقها إرادة.. الفيلم تم تصويره بكاميرا مرتبكة للغاية(لا تمكث فقط تقترب بشدة وتبتعد بعنف)، ليمسي إيقاع الشريط السينمائي لاهثا، وكان يمكن تعويض ذلك بالمونتاج أصلا، بدلا من التشتيت الذي لا يتيح التقاط مكونات الكادر بهدوء ..
 أحمد عز في أفضل حالاته في هذا الفيلم، أداؤه في مشهد ثكله لأخيه وهو ينوح مكلوما، من أجمل مشاهده التمثيلية.. أمام عز السقا، وأتصور أن أفضل مشاهده كانت تلك التي جمعته بعز، السقا نجم موهوب بالطبع، ولديه مقدرة خلابة على توظيف عينيه في لحظات مفصلية هامة، لكن .. الأداء دوما صاعد وهابط في الشريط الواحد، وتلك مسألة بحاجة لمخرج قادر على احتواء السقا بهناته تلك وإدغامها .. حنان ترك أيضا في أروع حالاتها، أراها تستعير روح سلمى من "أحلى الأوقات" في بضع مشاهد، بالذات في مشاهدها مع "كندة علوش".. والأخيرة لست أدري صدقا توظيفا حقيقيا لدورها في الفيلم، الذي غلب على صناعه حرصهم لجمع عدد كبير من النجوم في مساحاته أكثر من حسن توظيفهم.. سيعجبك أداء "صلاح عبد الله" كعادته بالطبع وكذلك ياسمين رئيس محمد فراج وأحمد صلاح السعدني، وحتى المقعد الصغير الذي حظيت به زينة بطلّتها "يا حليلة" ستجمل أكثر من الفيلم .
شخصيا انتظرت توظيف أعمق لتمثال الحصان على مائدة أحمد عز، لكن لم أجده.. نفس الأمر بالنسبة لشخصية زوجة الضابط "حنان ترك".. التي بدا لي أنها وسيلة من وسائل الانتقام بين الغريمين فقط لا غير.. كذلك الحضور الباهت لدور نهال عنبر، وهذه من ضمن أمور تبدو كأقواس غير مغلقة.. فكل شئ صُنع من أجمل النجمين "عز والسقا".. ومعركتهما الحامية، وأظن أن الإيرادات المرتفعة كانت حصادا عادلا للنجمين، وعرابتهما "ساندرا نشأت"..
أعود وأقول أني تمنيت، من التمني، أن يأتي "المصلحة" منتصرا للسينما التي لا تزال عطشى لفنانين يسعون لتغيير مقاعدهم، وما يشتهون تقديمه في كادراتهم، بكل هؤلاء النجوم كان يمكن للمصلحة أن يباغتك، يفاجئك .. يبهرك ، لكنه آثر ألا يفعل .. "المصلحة" فيلم تجاري جيد، وتجاريته ليست شيئا سيئا، مادام أنها صيغت بشرف، فكما يقولون على الأقل ما لا يُدَرك كله لا ينبغي أن يُترَك كله.

أريج جمال-القاهرة-مصر