الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
ماجدولين الإدريسي ، الضحكة السينمائية المجلجلة..

  عبد الإله الجوهري   

لا يمكنك أن تلج عالم السينما المغربية اليوم ، أو تتصفح كتاب الإبداع السينمائي الوطني ، خاصة منه النسائي ، دون أن تجد إسم ماجدولين الإدريسي ، مذكورا في المقدمة ، مصاغا بماء الفخر و الإعتزاز، بإعتبارها سيدة الحضور الوازن ، و البهاء الفني المشع ، و الضحكة السينمائية المجلجلة ، و العطاء المتفرد في سماء العطاءات الإبداعية .
ماجدولين الإدريسي ، ممثلة مختلفة عن باقي زميلاتها العديدات و الجميلات فنيا و إنسانيا ، مختلفة من حيث ، أنها مبدعة لا تمتلك موهبة التمثيل و كفى ، و لكن تمتلك أكثر و أهم من ذلك ، تمتلك الأهم و الأصدق في الحياة ، تمتلك العلاقات الإنسانية الرقيقة الغارقة في مفاهيم البهجة و الانتصار للناس العاديين ، تمتلك القلب الإنساني الكبير المفتوح على العطاء و التضحية و التواضع اللانهائي ، تمتلك نكران الذات و نسيان حياة المبدع الصعبة ، المحاطة بنار النشوة و الإنتصار للنفس المزهوة بتصفيقات الجمهور و مديح النقد و نفاق (بعض ) الزملاء و ألوان التألق و الشهرة الضاجة الحارقة .
ماجدولين فنانة متمردة على الأعراف و التقاليد المرعية ، فنانة اختارت رغم الحواجز و الصعاب و رفض العائلة ، طريق الخلق و الشوك و المعاناة ، و هي تلج عالم التمثيل و الفن السينمائي بالمغرب و العالم العربي ، عالم لا يعترف بالمرأة الفنانة الممثلة و لا بقدراتها و مواهبها الإبداعية ، عالم لا يقبل اختياراتها و حياتها و علاقاتها المفتوحة إلا على مضض ، لا يقبل نجاحاتها أو امتلاك أسطورتها الخاصة بها .
ماجدولين إمرأة حرة متمردة ، إختارت منذ البدء ، أن تكون دائما في المقدمة ، على الرغم من كل الحفر و المطبات ، اختارت الحياة المنفتحة على الفرحة و السعادة الدائمة ، صونا لصوت الخلق الحق ، و تكريسا لمفاهيم الحضور الآسر و دعما للنجاحات و العطاءات المتفردة .
عادت ذات عام من كندا ، حاملة رسائل البوح الحق الوازن ، مفضلة الغوص في لجة المعاناة اليومية و مواجهة نار الشهرة الحارقة ، و هي تقدم الأدوار المتتالية ، أدوار جعلتها في ظرف جد قصير ، ممثلة وازنة و معادلة صعبة يصعب تجاهلها ، بل معادلة ، يسعى العديد من المخرجين ، لفك شفرتها و الحد من جموحها النافر الهارب من القبح و الخلق الباهت ، والعمل على تطويعها بشتى الطرق ( إدخال العلاقات و الصداقات و الضغط على عاطفتها اللينة الحنونة ) ، لتأدية ادوار في أفلام قد لا تقتنع بها لكنها تبصمها ببصمتها الخاصة الإستثنائية، وتقديم شخصيات صعبة مركبة ، شخصيات و ادوار إختلفت حسب القوة و الأهمية في مجموع الأفلام السينمائية التي شاركت فيها ، " الباندية " لسعيد الناصري و " نانسي و الوحش " و إكس شمكار " لمحمود فريطس و " السمفونية المغربية " لكمال كمال و " البراق " و " جوق العميين " لمحمد مفتكر و غيرها من الأفلام التلفزية ..
ماجدولين أو نجمة الأدوار المغربية اللامنسية ، هي الفتاة البريئة المتلاعب بها ، و هي القروية الهاربة من أجل حبيب جار عليه الزمان ، بل هي" المومس " الرؤوف بالصحبة و الخلان ، و المجنونة التي أوصلها بؤس الأب لفضاء العته و النسيان ، و هي الراقصة السارقة للحظات الفرح المشروخة و التقلبات المنزوعة من قلب الذل و البهتان .. هي كل ذلك و أكثر من ذلك ، حسب قدرات كل مخرج ، و قبلهم كتاب السيناريو ، في رسم ملامح و خلق الشخصية من عنفوان الكلمات المنحوتة من صلب الواقع .
ماجدولين فنانة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى ، لأنها من القلائل اللواتي يقمن بأدوارهن الفنية المسنودة لهن ، دون استحضار الخلفيات المجتمعية المتخلفة الرافضة للمواقف " الصادمة " ، أو المشاهد الجريئة التي فتحت و لازالت تفتح العيون المغلقة بإتساع على الخواء الفكري و الفني ، مشاهد " جريئة " ، لكن مبررة في السياق العام للبناء الفيلمي ، سياق تقديم واقع مغربي ، يخفي رأسه في رمال النفاق المجتمعي القاتل ..
لماجدولين البهاء و العطاء و المواقف " الرجولية " ، للإدريسي الشريفة النقية الناصعة ، نقول : دامت لنا ملامحك الطفولية و نبرة صوتك الشجية و ضحكتك الفاتنة القوية و عطاءاتك الفنية اللامتناهية .

عبد الإله الجوهري