الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
ذكرى مجد السينما المغربية ( 1940 - 25 يناير 2013 )

  عبد الإله الجوهري   

محمد مجد ، أو روح السينما المغربية و سيدها الذي أمدها بنسغ الحياة اليانعة و سر البقاء المتوهج و الأدوار الفيلمية العديدة المتعددة في عشرات الافلام المغربية و الدولية ، ادوار لا تتشابه و لا تتقاطع و لا تكرر نفسها تكرار الافلام المقترحة أو ادعياء الوقوف السافر أمام الكاميرات ، بوجوه كالحة أنهكها تعب البحث عن صدق مفقود و لحظات سينمائية مقتطعة من سفر الحياة الملعون و العلاقات الإنسانية المجنونة .
بداياته السينمائية سنوات الستينات من القرن الماضي في السينما، كانت اكثر من رائعة في فيلمين قصيرين هما" الغابة " و " البراق " لمجيد الرشيش ، دورين كانا من المفروض أن يفتحا أمامه سماوات الخلق و الإبداع السينمائي ، لكن مغرب المرحلة ، لم يكن يسمح بإنتاجات سينمائية تعري الواقع و تراهن على النجاحات في مجتمع فتي يصارع الفقر و الحاجة ، و قبلهما الصمت المطلق عن حق الإنسان في التعبير و الكلام العادي ، فبالأحرى البوح الصادق بآلام و آمال و احلام الناس في التغيير ورسم ملامح الفرح ، لهذا ابتعد الرجل عن عوالم الفن السابع الوطني و فعله الإبداعي ، متراجعا للوراء ، باحثا عن لذة العطاء فوق خشبات المسارح و الوقوف أمام كاميرات التلفزيون المغربي و بعض الادوار الثانية في الافلام الغربية و العربية ( " شهرزاد " للفرنسي فيليب دو بروكا و " الرسالة " لمصطفى العقاد ) ، وقوف من باب عدم قطع الصلة بالجمهور أو الإبتعاد عن دائرة الفن الذي يمده ببعض نسمات الحرية و قليل من خيوط الفرحة الزاهية .
أيام وشهور و سنوات توالت ، و الرجل يمضغ أحزانه و يوفر طاقاته الإبداعية المصاغة من جليد الوقت و رزمة الطموحات اللامتناهية ، طموحات لم يتردد في استثمارها و توظيفها بالشكل الأليق و الرغبة الجامحة في تقديم الافضل ، عندما بزغت أمامه شمس الحرية و أسندت له المسؤولية في تشخيص دور بحار عجوز في فيلم " علي زاوا " لنبيل عيوش ، دور أخرجه من دائرة النسيان و قدمه للجمهور الشاب الذي لم يكن يعرفه من قبل ، دور صغير لكن جد عميق ، بلمسات فنية واضحة و تقاطعات رمزية مع شخصية شيخ هامنغواي في روايته الشهيرة " الشيخ و البحر " . الدور رفع ، بين ليلة و ضحاها ، من رصيد محمد و جعل مجد السينما المغربية يتوقف طويلا عند عطاءاته التالية ، عطاءات غير متشابهة ، مع كل الادوار التي اداها ، قبله و بعده ، جموع الممثلين على الشاشات المغربية و العربية . الجميع يتذكر أدواره المتميزة في أفلام " عود الريح "و " طرفاية " للمخرج داود أولاد السيد و " الرحلة الكبرى " لإسماعيل فروخي و " ريح البحر " لعبد الحي العراقي و " ياسمين و الرجال " لعبدالقادر لقطع و " سميرة في الضيعة " للطيف لحلو و " ملاك " لعبدالسلام كلاعي و " في انتظار بازوليني " و " الف شهر " لفوزي بنسعيدي و " بعد " لمحمد اسماعيل و " الزيرو " لنورالدين الخماري و " أندرومان " لعزالعرب العلوي و " العجل الدهبي " لحسن الكزولي و " زينب ، زهرة اغمات " لفريدة بورقية ..
صحيح أن الافلام المذكورة أعلاه متفاوتة القيمة و الأهمية ، لكن محمد مجد كان دائما نقط ضوء في فضاءاتها و البلسم الشافي لأخطاء اصحابها و النبتة الخضراء في دمنها الكالحة ، بل قوة الخلق و الإبداع في ربوعها الممتدة إمتداد الخارطة السينمائية المغربية ، خريطة وجدت ضالتها التشخيصية و الفنية في وقفاته الأنيقة المدروسة بعناية و الادوار المرسومة بكل حرفية و عمق و تلقائية..
أدوار و أدوار أهلته للحصول على الإعتراف و التكريمات من اشهر المهرجانات الوطنية و العالمية ، إعتراف تجسد في حصوله على عشرات الجوائز المتميزة ، و التكريمات المتتالية من دول عريقة كبلجيكا و إسبانيا و الارجنتين و قبلهم المغرب الذي كرمه تكريم الابطال بالدورة السادسة لفعاليات مهرجان مراكش الدولي للفيلم ، كما حصل على وسام الإستحقاق الفرنسي للفنون و الأداب و غيرها من التنويهات الوازنة ..
رغم أن مجد ، كان يعرف أنه سيرحل يوما ما ، ككل البشر الفانين ، إلا انه كان يشتغل فنيا و ابداعيا كما لو أنه سيعيش ابدا ، حضور و بصمات لا تفنى ، مثابرة و انتصار لقيم الوفاء و الخلق الحق ، و تقديم ما لا يوجد ( قبله ) في كتاب السينما بالمغرب ، مات جسدا لكن روحه لن تبلى ، حقيقة لن تبلى ، ما عاشت السينما و الفن كملجئ للعشق العميق و الحب الأنيق و الإحساس الرقيق ..

عبد الإله الجوهري