الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
مصطفى الدرقاوي : للسينما ما أعطى و للفن ما أبقى ..

  عبد الإله الجوهري   

مسار السينما المغربية لا يستقيم الحديث عنه دون إثارة اسماء معينة ساهمت في بناء صرح الفن السينمائي المغربي بكل حب و حرفية ، أسماء من طينة أحمد البوعناني و سهيل بنبركة و محمد عفيفي و لطيف لحلو و أحمد المسناوي و قبلهم جميعا محمد عصفور ، لكن إسم مصطفى الدرقاوي يظل الأكثر إشعاعا و توهجا بالنظر لموهبته و حرفيته العالية و إنجازاته العديدة المتعددة من خلال فيلموغرافيا ثقيلة فنيا و تقنيا ، فيلموغرافيا تضم عناوين خالدة من مثل : " أحداث بدون دلالة " و " ليالي شهرزاد الجميلة " و " عنوان مؤقت " و " قصة أولى " و " أنا في الماضي " و " مغامرات الحاج المختار الصلدي " و الدارالبيضاء باي نايت " و الدارالبيضاء داي لايت " و غيرها من الافلام القصيرة و الأفلام الوثائقية ..
مصطفى الدرقاوي مدرسة سينمائية ثابتة و متحركة ، و كاميرا متنقلة بين الفضاءات الطرية الندية و الأماكن السحيقة المظلمة النارية ، و عين ساهرة على إلتقاط ما لايرى في واقع الناس البسطاء و الفنانين المجانين و البطون المنتفخة الظالمة و الفتيات و الفتيان المغرر بهم في ليالي البيضاء الجهنمية ..
مصطفى الدرقاوي ليس مخرج متحكم في أدواته الفنية و كفى و لكن مثقف بخلفية فكرية عميقة ، خلفية تنهل من معين الفكري الإنساني عامة و من عوالم الأدب و الفلسفة خاصة ، معه يمكن ان تتحدث عن كل الروايات و كل االدواوين و كل الدراسات و كل البحوث المعتمدة و المرجعيات الخلاقة ..
مصطفى الدرقاوي سيد الهدوء و الإنصات لنبض الشارع و الإنسان ، و حتى " الحيوان" الذي لا يفهم ، ينصت بحكمة الأولين و يتدخل بمعرفة المفكرين و يتخذ مواقف بدهاء السياسيين ، بل يرفع صوته عندما تصمت الأصوات و تتراجع الكائنات المدعية الفائقة الخفة ..
داهم المرض الجسد لكن الروح ظلت متوقدة زاهية ، هناك في شقته الصغيرة رفقة خديجة الحانية ، يرقب الوضع و يمني النفس بعودة سينمائية قوية ، عودة بمشروع سينمائي حقيقي ،طالما حمله بين الروح و الوجدان ، مشروع " حميدة الجايح " أو سيد التمرد و الخروج عن الواقع و المألوف في دنيا التخريف و الرغبات المأفونة اللاإنسانية ، رغبات قبح الوقت و تزلف الازمنة الخائنة ..
الرغبة مشتعلة و القدرات الإبداعية قائمة و زحف مفاهيم الخلق نحو الهدف المرسوم سائرة بكل ثقة و تجاوز لخطوط النقاد المسيجة لفعل الإنطلاق و تجريب كل الإتجاهات و المدارس و التجاريب السينمائية . إرضاء رغبات الجمهور حاضرة بكل اناقة و مسؤولية و إرضاء الذات اكثر حضورا و قوة و تجليا ..
أفلامه الاولى جاءت مقتطعة من موهبة فنية أصيلة و دراسات سينمائية عميقة ، أفلام لم ترضي أحدا ، لكنها كانت اكثر عطاءا ومصداقية ، عطاء بدا مغلقا غامضا بعيدا عن الفهم المباشر ، و مصداقية نفر منها الجمهور البسيط و إنتقدته بعض الاقلام النقدية الزائفة ، اقلام دفعته ، ذات لقاء يمدينة ورزازات سنة 1998 ، إلى محاولة تغيير المسار و تجريب ركوب موجة الإتصال المباشر بالجمهور و الناس البسطاء و تسفيه إدعاءات الكتبة ، مسار أفضى نحو النجاح الجماهيري الخلاق و غضب ( مرة اخرى ) النقد و النقاد و صدمة عشاق السينما العميقة و الرسائل الفنية العالمة اللافتة ، لكن مصطفى كان كما كان دائما ، وفي للنهج و أمين في كل الحالات ، افراح أو اتراح بالنسبة له سيان ، مخرج لا يستحضر حسابات الربح أو الخسارات ، لا يلتفت لغضب هذا أو ذاك ، بقدر ما يلتفت لضرورة صنع ما يرضي النفس و التاريخ و القناعات .
لمصطفى ما اعطى و للدرقاوي ما ابقى ، له و لسينماه كل الحب و الفن المعجون
برائحة الوطن و قضايا المواطنين المفتوحة على كل القضايا و الاتجاهات ، قضايا الكرامة و المعاناة و النضال و الكفاح من أجل غد مغربي أجمل ، تنتصر فيه قيم الحب و الفن و الحياة ..



ملاحظة لها علاقة بما سبق : اتصل عمو عبد الكريم الدرقاوي ليصحح و يوضح ويفند ما جاء في مقالي المعنون ب " أفلام مدعومة لكن غير موجودة " حول كون مصطفى الدرقاوي توصل بالشطر الأول من الدعم المرصود لفيلم " حميدة الجايح " ، نافيا نفيا قاطعا الخبر الوارد في المقال ..
نصدقك عمو عبد الكريم و نصدق نوايا مصطفى الصادقة في حبه للسينما و الوطن و الناس الطيبيبن ، بعيدا عن الهواجس المالية و قنص المنح السينمائية المتحكمة في هواجس العديد من مخرجينا السينمائيين ..

عبد الإله الجوهري