الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
"الجبل البكر" الفيلم الذي أخضع فرنسيس فورد كوبولا لفتنته



  عبد الإله الجوهري   

عبر التاريخ الطويل للمهرجانات السينمائية العالمية ، لم يقف ، من قبل ، رئيس للجنة التحكيم كي يصفق طويلا لفيلم مشارك في المسابقة الرسمية ، بل و ينهض من مكانه و يذهب لمعانقة و تقبيل بطل الشريط ، حادثة شهدها قصر المؤتمرات بمدينة مراكش في إطار فعاليات الدورة الخامسة عشر لمهرجانها السينمائي الدولي مع المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا ، الذي كسر التقاليد المرعية للسينما العالمية و أكد أن الإنتصار للإبداع لا يعرف الحدود أو التحفظ و قمع المشاعر الصادقة في التعبير عن مكنوناتها الجلية البعيدة عن التصنع و التحذلق المكشوف ( حتى و لو جاهد المتحذلقون و السينمائيون المزيفون في إخفائها )، انتصار لفيلم ايسلندي دانماركي مصنوع بكثير من الحرفية و الرؤية الفنية الهادفة / العميقة في نفس الآن ، من خلال التعبير عن قضايا الإنسان و الإنسانية و المشاعر الأكثر بدائية بكل صدق و إبداعية .. " الجبل البكر " أو " حكاية عملاق خجول " للمخرج الفرنسي داكوري كاري ، فيلم يعالج موضوع الجوهر الإنساني باعتباره "الأهم"، مقارنة مع الشكل الخارجي. حيث تدور أحداثه حول قصة "فوسي" وهو رجل خجول ذو 45 عاماً، يعيش حياة كئيبة، بسبب ضخامة جسده، و يتصرف كالأخرق الذي لا يعرف ما يجري و يدور من حوله ، علاقاته جد محدودة و تصرفاته صبيانية ، تصرفات لا تخرج عن دائرة الخضوع لوصايا الأم و الوفاء للشغل كحامل للحقائب في المطار و الخروج و الدخول بكل انضباط و طواعية للقوانين المرسومة و المحددة في الحياة العامة و تقبل انتقاد و سخرية الآخرين بكل أريحية ، لكن تحت ضغوط متواصلة من قبل والدته وصديقها الإنتهازي ، يسعى لاستكشاف سبل اجتماعية جديدة، و يوافق على مضض لحضور دروس الرقص ، من أجل تطوير قدراته الفكرية و يفتح أبواب السعادة الغائبة اللامرئية ، حيث سيلتقي هناك بشابة غريبة الأطوار تشتغل في محل بيع الزهور الخاصة، لتنتقل بعدها إلى عاملة قمامة، ومع توالي الأحداث يقع "فوسي" في حب هذه الفتاة لتتغير حياته رأساً على عقب. و تجعله في النهاية يتصرف كإنسان سوي ، إنسان يتخذ القرار بنفسه ، ليختار الرحيل بعيدا للبحث عن سعادته ، رحيل على متن طائرة متجهة لمصر من أجل قضاء عطلة و الإبتسامة مرسومة على الشفتين ، ابتسامة لم يتعود من قبل على إظهارها أو الإحساس بفتنتها الدالة على الفرح و السعادة . قوة الفيلم لا تعود فقط للحكاية المتضمنة المروية بكل عناية و حرفية أو للأسلوب السينمائي الوفي للبساطة أو نقل الأحداث بسلاسة أو للمشاعر الإنسانية الغامرة الصادقة ، بل تعود و بالدرجة الأولى للأداء الرفيع للمثل كونار جونسون ، أداء هادئ هدوء متاعب الحياة المتربصة قبل أن تداهم الفرد و تهد سعادته.، و حضور طاغي رغم محدودية الحوارات و اقتصاد في الحركات جد مدروس .. أداء و حضور ( لهذا الممثل الضخم بجثته الكبير بموهبته ) جعلا من الفيلم جوهرة فيلمية إنسانية عميقة ، جوهرة تركت أثرها السينمائي على الجمهور المراكشي ، مثلما تركت من قبل أثرها على كل جماهير المهرجانات السينمائية عبر العالم بل و على لجان التحكيم المختلفة التي منحته جوائز عديدة رفيعة .