الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
عبد الرحمان سيساكو : " إن المغرب غفور رحيم "

  عبد الإله الجوهري   

الحديث عن السينما الإفريقية و العربية تجرك حتما للحديث عن أسماء محددة صنعت اللحظات المشرقة للصورة السينمائية العالمية ، أسماء من هنا و هناك ، صنعت المجد الفني و أمتعت ملايين عشاق الشاشات الفضية ، شاشات تفردت و تلونت مع المخرج الموريطاني الشهير ،عبد الرحمان سيساكو بألوان البهاء و قوة النور و عمق الفكر و الرؤية ، هو القادم من كثبان رملية و واحات خضراء بهية، أعماله و انجازاته ، جعلته يتبوأ مكانة خاصة في نفوس الآلاف من عشاق فنه و يحوله إلى أيقونة يتشبث بإنجازاتها كل عشاق اللحظات البهية ، مخرج استثنائي عصي على التصنيف و التأطير ضمن عالم إبداعي محدد لتعدد مواهبه ، مخرج ولد من رحم المعاناة ، معاناة الفقر و الحاجة في وطن ينتصر للكلمة و لا يؤمن بالصورة ( موريطانيا بلد المليون شاعر ) ، لكن رغم ذلك ، استطاع أن يرسم لنفسه مسارا سينمائيا متفردا بإنجازات لافتة ، إنجازات تنوعت بين الأفلام الروائية القصيرة و الأفلام الروائية الطويلة و الأشرطة الوثائقية الناجحة الجميع يتذكر شريطه القوي " في انتظار السعادة " الذي حصد به عشرات الجوائز الدولية أساسا جائزة الحصان الذهبي بمهرجان بانافريكان بواغادوغو البوركينابية سنة 2003 ، شريط بلمسات شاعرية ،مغمور بقوة النور و سحر الطبيعة القاسية و تداخل وتمازج الألوان الصحراوية ، بل بحث عن سعادة مشتهاة بين الكثبان الرملية ، لكائنات تقاوم مفاهيم النسيان باحثة عن لحظات مشعة بمفاهيم السعادة الأبدية الموجودة هناك في الضفة الشمالية الأوروبية ، تحلم بالهجرة و الهروب من شظف العيش و اللحظات الزمنية الضاغطة بقوة . سيساكو من خلال هذا الشريط ، أكد أنه مخرج كبير و مبدع عربي بملامح سمراء فاتنة ، ملامح جعلته ينتصر في فيلم " باماكو " لهويته الإفريقية و يقيم محاكمة إبداعية للجشع الأوروبي و نزواته الرأسمالية ، مستعرضا الوجه البشع للإنسان الأبيض ، الغارق في تداعيات ماضيه الاستعماري الوقح و حاضره الموبوء بشعارات واهية ، شعارات مساعدة الدول النامية . بعد سقوط شمال مالي بين براثن الهمجية و العنف الإرهابي لجماعات الإسلام السياسي المتطرف ، انتفض سيساكو في وجه القبح الظلامي موقعا على فيلم سينمائي بليغ حمل عنوانا دالا "تومبوكتو " ، عنوان يحيل على مدينة استثنائية ، مدينة النور و العلم و التراث الممتد عبر مسارات تاريخية أسطورية ، مدينة تحولت لفترة زمنية إلى فضاء عاثت يه الكائنات الهلامية ، بل كادت أن تطمس الملامح المشرقة لحضارة إسلامية كانت دوما في هذا المكان متوهجة . فيلم فاجئ جموع السينمائيين عبر العالم و منحوه أرفع الجوائز في مهرجاناتهم الدولية ، جوائز أكدت أن الرجل بحق داهية سينمائية و شعلة إبداعية .سامية قامة سينمائية بهذا الحجم ما كان لها أن تخطئ في حق بلد أحبه و منحه حزمة ضوء و لحظات إبداعية و إنسانية استثنائية ، ما كان لها أن تفرط في الحق و الشرعية و تمنح الفرح للعصابات الإنفصالية ، عصابات ما أحبت السينما إلا لقضاء أغراضها الواهية ، طغمة معتمدة على مخططات استعمارية أجنبية ، تخلط بين الحق و الباطل ، بين السينما و اللاسينما ، بين الأحباب و الأعداء . ما كان لك أيها الموريطاني العتيد أن تقامر بتاريخك المجيد من أجل درع مهرجان لا يبقي و لا يذر في مخيمات الذل و العار و أن تمنح السعادة لمن لا يستحقها .. نحبك يا سيساكو مثلما نحب سينماك التي علمتنا معاني الصمود و الحياة ، مثلما علمتنا معاني الفن و البقاء ، فلا تخذلنا مرة ثانية ، و لا ترهن مستقبل إبداعك بين أيادي رملية خانقة للإبداع و الحرية . نحبك يا عبد الرحمان مثلما نحب أفلامك ، فعد لنا كما كنت دائما مبدعا كبيرا و صديقا صدوقا للمغرب و المغاربة ، و أرم وراء ظهرك ماضي المخيمات الدامية و أقبل علينا باشا هاشا لأنك ستكون بين أحضان عشاق سينماك الغالية ، و ضع بين عينيك شعار " إن المغرب غفور رحيم " كمرجع و آية ، فأرجع يا مبدع نحن ننتظر ..

عبد الإله الجوهري