الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  كسر الخاطر    
"الزين اللي فيك" : أعدوا العدة يا أنصار الحب و الخلق و الحداثة

  عبد الإله الجوهري   

السينما المغربية اليوم تعيش وضعا صعبا ، ليس فقط ، من حيث الإنتاج أو الحضور و رفع راية الوطن في المهرجانات الدولية ، و إنما أيضا ، من حيث الهجومات التي تطالها من افراد و جهات لا تفهم شيئا في الفن و السينما ، و من اشخاص لهم أهداف سياسوية ضيقة يحاولون تصريفها على حساب الإبداع و الخلق بكل قلة حياء... لقد استطاع هؤلاء بإنتهازيتهم المكشوفة و حملاتهم المشبوهة و شعبويتهم الفاقعة ، في تجييش الشارع و دفع كل من هب و دب لإبداء الرأي و يصبح ناقد ، ناقد اللحظة المشبعة بالكليشيهات الممسوخة و الآراء النقدية المتسرعة و الأقوال المرددة في المقاهي و الحانات الحقيرة ...


مناسبة القول أعلاه ، تنزيل تجاري على المواقع الاجتماعية ( خاصة اليوتوب ) ، لمشاهد مختلفة من فيلم " الزين اللي فيك " للمخرج نبيل عيوش ، مشاهد مقتطعة من سياقها العام و منشورة للفت الانتباه للشريط الجديد و الترويج له ، و خلق موجة من النقاشات قد تخدم الفيلم تجاريا مثلما تخدم اسم صاحبه كمخرج يعرف من اين تؤكل الكتف فنيا ، لأن عمل كهذا يرفع رصيده في عيون المنتجين الغربيين، مادام هناك جرأة واضحة و مقاربة فصيحة في فضح ما لم يستطع أحد فضحه بهذه الطريقة الموغلة في الواقعية ، جرأة قدمها من قبل في افلامه السابقة و جرت عليه سخط طغمة ظلامية ، تريد شرا بالسينما الوطنية ، على اعتبار أنها آخر قلاع الحداثة و القول البليغ في وصف حالتنا المزرية داخل هذا الوطن الذي اصبح منذورا لرياح هوجاء لا نعرف متى ولا من أين اتجاه ستهب ، لأنها قد تهب من جهة الأعداء الحاقدين ، مثلما قد تأتي من الافواه المفتوحة للأصدقاء الحداثيين جدا جدا..


الفيلم ، في اعتقادي ، ومن خلال الطريقة التي يروج له بها حاليا ، اضافة الى الظرفية التي يعرض فيها ، حيث المشهد السينمائي المغربي تكتنفه غيوم الحقد و الكراهية و سيادة الخطابات الهلامية لرجال السياسة و الدين ، بل و تحقيقها لمكاسب واضحة أكدت أن معسكر الحداثة في غيبوبة و الأحزاب اليسارية معدومة ( من تجلياتها تمرير قانون الإجهاض المنتصر لخطاب ديني جد متخلف ) ، ستجعل سينمانا المغربية تؤدي الثمن الباهظ من حيث خلق جو من الاحتقان و الكراهية تجاهها و بالتالي الدعوة لمزيد من الوصاية على الإبداع و الحجر على السينمائيين ورؤاهم الفنية المبنية على قناعات فكرية و ثقافية شخصية ..


مباشرة بعد العرض الأول للفيلم بالدورة 67 لمهرجان " كان " ، ضمن فقرة " لاكانزين دي رياليزاتور " ( رغم أن من شاهد الفيلم إلا قلة قليلة محظوظة بتواجدها على السجاد الأحمر لمهرجان " كان " ) ، بدأت أمطار الشر تهب ورياح الجنون تزمجر، مثلما بدأت التعليقات اللامسؤولة تصل عبر صفحات مشبوهة غير معروفة و أخرى ( هذا عين العجب ) معلومة على المواقع اجتماعية المغبونة ، مواقع من المفروض انها نتاج عقول ذكية مسؤولة ، أضحت مع وصول جنون " الزين اللي فيك " ( على غرار جنون البقر )، مواقع ملوثة بمفاهيم الاستعراض المجاني و التهافت النقدي و محاولة اصطياد عدد اكبر من المصفقين و المهرولين لخنق الذات الإبداعية المغربية ، ذات في اعتقادي اكثر صلابة من ان تفقد روحها الخلاقة بمجرد تهويلات و انتهازية مكشوفة ..


السينما المغربية تاريخ حق و انجازات قد نختلف حول أهميتها و قوتها لكنها موجودة من خلال ابنائها البررة أعضاء الاندية السينمائية التي ساهموا في بنائها و النقاد الأحرار الذين دبجوا لسنوات مقالات في مديحها ( مديح البناء لا الهدم أو التطبيل المجاني ) و مخرجون صاغوا من لحمهم و دمهم افلام متفاوتة القيمة و الأهمية لكنها على كل حال تحاول صنع سينما حقة ، و ممثلون بالعشرات ، بعضهم مات غبنا و فقرا ، رغم ان إبداعاتهم طاولت عنان السماء ... سينما مغربية حرة طرقت كل المواضيع و القضايا المجتمعية بعشرات الأفلام ، اذكر على سبيل الذكر لا الحصر ، أشرطة : "وشمة " لحميد بناني و" حرب البترول لن تقع" لسهيل بنبركة و" احداث بدون دلالة " لمصطفى الدرقاوي و "حب في الدارالبيضاء" لعبد القادر لقطع و "عبروا في صمت لحكيم" النوري و "نساء و نساء" لسعد الشرايبي و"أقل من دقيقة تحت الشمس" لنبيل عيوش و" كازا نيكرا " و "الزير" لنورالدين الخماري و "فيلم" لمحمد اشاور ... أشرطة حاول بعض الاوصياء من دهاقنة الدين و السياسة الحجز عليها و الحكر على اصحابها ، لكنها عاشت و سافرت عبر الاماكن و الفضاءات الزمنية و انضافت بكل قوة للفيلموغرافية المغربية ، بينما هم رحلوا و انزووا في غياهب الظلامات ..


كلامي أعلاه ، لا يعني انني أقدم قراءة للفيلم ، لأنني لم اشاهده بعد ، على الرغم من أنني شاهدت لقطات متفرقة، لقطات لا تسمن و لا تغني من جوع ، و أنا لا أرضى لنفسي أن أكون ناقد اللقطات المبتسرة و اللحظات المنزوعة من سياقها العام ، و أحب ان اشبه ببعض جهابذة النقد و التمثيل و الرقص عاريا في كل المناسبات ، سأنتظر لحين مشاهدته و معاودة المشاهدة ، عند ذاك سأعطي حكمي على مستواه من الناحيتين الفنية و التقنية لا الأخلاقية الفجة ( من كان منكم بلا خطيئة فنية فليرجم الفيلم حالا بنقده الذكوري " البناء " ) ، أما الآن سأكتفي بإعتناق رأي الناقد اللبناني هوفيك حبشيان (ناقد صديق صادق، أثق في ذائقته النقدية و نفاذ رؤيته المعرفية )، الذي شاهد الفيلم و خطت يداه ما ستقرأونه أدناه :


" الزين اللي فيك " لنبيل عيوش فيلم شجاع جداً (والشجاعة شيء نسبي) يدخل الى بيئة عاملات الجنس في المغرب، ويعري ازدواجية المجتمع ويسمي الاشياء بمسمياتها. رندة، نهى، سكينة، حليمة، بعض هؤلاء محجبات في النهار ومومسات في الليل خدمةً لبعض السعوديين المهووسين بالجنس (ويبدو ان بعضهم لديه مشكلة مع فلسطين ههههه). الفيلم يصبح رقيقاً ازاءهن في النصف الثاني، فيقارب تواطؤ كل افراد المجتمع (من الشرطة الفاسدة الى الام القاسية) ويحملهم المسؤولية في تحويل فتيات عاديات بلا احلام تقريباً الى قطع من اللحم. يلجأ الفيلم الفاضح الى نمط المعالجة بالصدمة، والنتيجة على المشاهدين ستكون قوية. لا "مسكوت عنه" بعد الآن " .


و به الإعلام فأعدوا العدة يا أنصار الحب و الخلق و الحداثة و السلام. 



عبد الإله الجوهري