الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
قراءة في فيلم "قصة الناس"

قصة الناس" للمخرج الشاب فيصل الحليمي . فيلم فكاهي بامتياز، خلق مفهوما جديدا للسينما الموجهة لعموم الشعب المغربي بخروجه من دائرة  المواضيع السائدة و المألوفة ، فبالرغم من الموضوع الحساس الذي تناوله ألا وهو موضوع المافيا إلا أن بناءه ضمن حبكة بسيطة يمكن وصفها بالشعبية قد جعله مستساغا و يجعل المشاهد ينغمس في الفيلم دون الإحساس بالزمن .
الفيلم يعرض على الشاشة البيضاء لقاءات متتالية لأشخاص من بيئات مختلفة و ذوي بنيات فكرية متناقضة نوعا ما ،  شاءت الأقدار أن يكونوا في الزمان و المكان غير المناسبين بمدينة طنجة ، إذ تنبني الركائز الأساسية للقصة على متابعة هاتف نقال يعود لأحد أفراد " المافيا " في رحلته بين هؤلاء الأشخاص في ما يشبه دائرة مفرغة ، يرصد أثنائها تفاصيل علاقات إنسانية في الشوارع و البيوت يحكمها أساسا الطمع و الرغبة في تحصيل المال ، لكن يحدث أن يكون الهاتف مراقبا من طرف الشرطة فتبدأ بالتالي سلسلة الإعتقالات و التحقيقات المتتابعة والتي تتشعب دون الوصول إلى صاحب الهاتف الحقيقي و من يقف ورائه في البداية، لكن ينقلب ذلك بفضل التحاق أحد الشخصيات الذي ذهب ولداه ضحية لقصة هذا الهاتف  بمركز الشرطة و الإدلاء بتصريحات أدت إلى التعرف عليهم و على مكان تواجدهم   وبالتالي التوجه إلى عين المكان بهدف القبض عليهم.
لكن تزامنا مع وصولهم تكون قد بدأت سلسلة التصفيات الهادفة إلى إخفاء معالم أي أثر لوجود الرأس المدبر للمافيا لتختفي في النهاية جميع تلك الشخصيات و تظهر بدلا منها شخصية جديدة و هو المنظف الذي سيتولى قتل باقي المشاركين و تكون هذه نهاية الفيلم.
إني و إن اختزلت الفيلم بكل المجهودات المبذولة فيه سواء من ناحية الكتابة أو الإخراج و التصوير في هذه المقدمة البسيطة ، ربما لن أكون قد وفيته حقه ، فهو أكبر بكثير مما ذكرت، إذ أنه و من الصعب بما كان أن يتم بلورة القصة السالفة الذكر في قالب كوميدي محمل بالعديد من الرسائل من جهة و أن يتوفق في إيصالها من جهة أخرى، و هذا وإن دل على شيء فهو يدل على تمكن فيصل الحليمي من أدواته الفنية و الإخراجية .
و يظهر ذلك جليا في المنهجية التي اعتمدها في طريقته لاختيار الممثلين الذين كانوا من وسط الميدان الكوميدي بل و يمكن اعتبارهم من ألمع نجوم الكوميديا الطنجاوية وبالتالي فإن أداءهم قد كان مقنعا و منسجما مع القصة و منه فإنه كان لهم دور مهم في الحفاظ على الصيغة الكوميدية للفيلم .
قصة الناس في مضمونه العام فيلم عميق الدلالة يقبل أكثر من تأويل لكل مشاهد أن يِؤوله حسب شخصيته و أسلوب تفكيره .
صحيح أن الفيلم غني بالمعاني و الدلالات العميقة والصعبة الإيصال للمجتمع إلا أن القائمين عليه كانوا على قدر كبير من الوعي فيما يخص طريقة جذب الجمهور، و عندما نقول طريقة الجذب فنحن نقصد في المرتبة الأولى اختيار العنوان المناسب فلهذا الأخير الحظ الأوفر في تحريك الرغبة في المشاهدة و التعرف على ما يخفيه لكن دون الخروج عن مضمون الفيلم , من هنا نجد أن الثنائي "قصة الناس" لم يتم اختيارهما عشوائيا فهما واسعا التفسير و الدلالة حالهما حال الفيلم نفسه الذي سمي بهما .
بنفس الطريقة التي تم  الإعتماد عليها في اختيار الممثلين و عنوان الفيلم تم كذلك العناية بالجانب التقني للفيلم و اخص هنا بالذكر زوايا التصوير الواسعة التنوع التي أعطت للفيلم تميزه  و كذا  طريقة التصوير التي كانت بطيئة نوعا ما و الإعتماد بشكل كلي على اللهجة الطنجاوية كطريقة للتواصل  في ما يمكن قراءته على أنه محاولة للإنتصار للكنة بل و حتى لثقافة مدينة طنجة  .
ختاما لا ننسى أن نشير إلى أن "قصة الناس"  يندرج ضمن ما يسمى بالسينما النظيفة باعتباره خالي من أي لقطات ساخنة و بالتالي فهو يمنح الفرصة للتمتع بفرجة عائلية تتناسب و المجتمع المغربي.

فتيحة الزوجال