الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  بين قوسين    
هل هناك وجود أو عدم وجود لصناعة سينمائية بالمغرب؟

أقدر أن التساؤل في بنيته يتضمن مواقف ضمن رؤى إقرارية وصفية أو تحليلية و موضوعية . الجواب لا بد أن يأتي في سياق نسبي بالنظر للمقاربة المقارناتية بما عند الغرب أو أمريكا أو جنوب إفريقيا أو الهند مثلا.
وبالتالي فالخلاف لا بد أن يحصل عند التعميم أو بغرض فرض تصورات جاهزة قصدها الإبلاغ عن وضعية منشودة في حقيقة الأمر، أو من موقع مدافع عن حالات ما قد نسميه بالصناعة السينمائية. فأية صناعة سينمائية نقصد في ضوء ما سبق التذكير به؟ ومن نخاطب ؟ وما النتائج المحتملة لمثل هذا الإدعاء؟
أتصور أن السؤال عن الصناعة السينمائية قد نسوقه كلما أردنا الحديث عن صيرورة الصناعات الأخرى كصناعة الفرجة وصناعة الترفيه والثقافة  وغيرها. ونقصد بها كل المسارات الممكنة لخلق منتوج ضمن عجلة من التصور المبرمج  والإنتاج المنفذ والتوزيع المعقلن ثم الاستهلاك المسوق وأخيرا التغذية الراجعة من حيث دعم المنطلقات وتقييم فعاليتها  وحدود جدواها وانكساراتها.
يصعب الحديث عن صناعة سينمائية في غياب مقومات مادية وفكرية لوجيستيكية وإبداعية
وبالتالي عندما نقول الصناعة السينمائية لا بد أن نستحضر تاريخ السينما في البلد المقصود
وحركيته التجارية، ومستوى مهنية الفاعلين فيه. ويمكننا أن نضيف حقولا أخرى قد تبدو بعيدة عن الحقل كقولنا هل الاستقرار السياسي والأمني  لبلد ما لهما  علاقة بالرواج وتشجيع الصناعة السينمائية هل المساطر القانونية والضريبية وتسهيل التنقل لهما أثر في ذلك. بكل تأكيد يؤثران.
بإمكاننا أن نحدد جملة من الشروط التي تمكننا من استنطاق مفهوم الصناعة  وهي :
-الشروط الطبيعية وهي ما يسمح للبعض بالقول أن هذا البلد أو ذاك، المغرب نموذجا بما أنه يتوفر على مناظر طبيعية خلابة (البحار والصحاري والفضاءات) فالمنتجون سيحجون إليها. لكن وفق أية شروط بشرية ونقصد بذلك المؤهلين من التقنيين وغير المؤهلين .
-الشروط التقنية من حيث وفرة المعدات والتجهيزات وقابليتها للعمل السريع والمنتج والفعال
الشروط التمويلية التي تضمن حقوق الفريق الفني والتقني والإبداعي لتجنب السقوط في التأجيل أو التعثر أو الترقيع  الشروط المهنية في مراحل ما قبل الإنتاج التصوير ثم ما بعد الإنتاج وهي هاته الشروط تجرنا للحديث عن الجانب المادي ونقصد به ما له علاقة بالدعم الشفاف والكافي  وجانب البنيات التحتية من أستديوهات . هل هناك استديوهات مجهزة وبمقاييس الجودة العالمية والعالية ؟
كما يمكننا الحديث عن مرحلة ما بعد الإنتاج هل لنا من المختبرات الكافية لإنجاز أعمال سينمائية بمواصفات تقنية عالية. وما طبيعة التحديات التي يفرضها سوق التصوير الرقمي؟ وبالتالي لماذا يفضل بعض المخرجين السفر إلى فرنسا أو إيطاليا عندما يكون عليهم أن ينتظروا دورهم على لائحة الإنتظار .


وبالنظر لشراسة السوق السينمائية العالمية واحتكارها من طرف الصناعة الهوليوودية وممارستها شتى وسائل الضغط والإبتزاز على موزعي الأفلام ومالكي القاعات سواء في البلدان الفقيرة (نموذج تونس) ، أو حتى الغنية فالسؤال هو ما حجم الإمكانيات لتوزيعية والإعلامية اشهارا  ودعما وقدرة على التنافسية نمتلك لبيع منتوجاتنا السينمائية للغرب وللشرق الأوسط وغيرها؟
هناك بعض الأمثلة المحدودة التي وراءها آلات صناعية من موزعين ومنتجين أجانب ياسمين قصاري وفوزي بنسعيدي على سبيل الحصر من يستطيعون عرض أعمالهم في صالات سينمائية لمدد معينة أما باقي المنتجين المحليين فلا قدرة على الحضور في الساحة الدولية باستثناء الحضور في هذا المهرجان أو ذاك.
وحتى لو افترضنا أن هاته الصناعات الوطنية متواجدة وتحصل على جوائز عالمية فيجب أن نقارن بالطبع . نحن أحسن حالا من العديد من الدول العربية والإفريقية لكن واقع الإنتاج والصناعة كدورة مهيكلة بتقنييها وأطقمها وبنياتها به الكثير من نقط الضعف ومن بينها قلة التكوين والتأطير ، وضبابية سياسة سينمائية تراهن على الكم أكثر من رهانها على الكيف. تطفل العديد من الأشخاص الذين تنقصهم الكفاءات المعرفية والمهنية لإدارة الإنتاج بروح من المسؤولية.
اعتماد الكثير من المنتجين على علاقات القرابة والزبونية في منح المهام وإنتاج الأعمال مما يضيع الفرصة على الشباب المتخرج من المعاهد والذين لا تمنح لهم فرص الإحتكاك بالميدان بدعوى أن الخبرة تنقصهم.
  صحيح أن المال يصنع الكثير من الإنتاجات ذات الجودة العالية وكذلك البنيات التحتية ورقمنة الوسائط الجديدة قصد الإلتحاق بالركب العالمي لكن كل تقصير في المضامين الإبداعية لهاته الصناعة سواء من حيث النشاط  الترويجي والتواصلي في شقه الإعلامي والمعرفي والقانوني  كتابة ونقدا ونشرا يدخل في صميم الدورة الإنتاجية للتفكير حول قضايا السينما وارتباطها بالسوق ولكن أيضا بالتشغيل والدخل القومي وصورة المجتمعات.
أما بخصوص مضامين المناظرة الوطنية للسينما التي عقدت أخيرا  فبرأيي أنه يجب الابتعاد قدر الإمكان عن كل تسييس لها وبالتالي أن خشية العديد من الفاعلين منبعها أن بعض الكتب البيضاء ظلت حبرا على ورق وأن درجة وعيها لخطابها ومصداقيتها تمتحن على أرض الواقع الذي يسمح لنا بالحكم عليها.
صحيح أن دفاتر التحملات قد تسد الطريق على اقتصاد الريع بالمجال السينمائي سواء من حيث فرص العمل وفسح المجال وتنويع مصادر الإبداع والانضباط في مجال التمويل وقنواته لكن برأيي أن هناك بعض التوصيات التي لم تحدد الجهة الموكلة إليها تنفيذ هذا البند أو ذاك. كما أننا بحاجة لكثير من التأني والوقت لبلورة واقع سينمائي يشرف صورة الوطن ويمتلك الجرأة والشجاعة على القول أن لنا فعلا صناعة سينمائية قارة وليست موسمية.

عز الدين الوافي