الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  خبايا الصورة السينمائية    
كيف تُصنع السينما؟

  سليمان الحقيوي   

الحديث عن الجوائز السينمائية، هو حديث متجدد على الدوام، ليس بوصفه موضوعا في ذاته، بل من خلال ذلك النقاش الذي يتبع تتويج الأعمال السينمائية بالجوائز المهمة مع كل موسم سينمائي، فأصبح من الشرعي أن نتساءل عن أهمية هذه الجائزة أو تلك، ويمتد هذا التساؤل ليشمل معايير صناعة العمل السينمائي والهدف من وراءه؟ فمن المعلوم أن العمل السينمائي لا غاية له في ذاته، بل هناك خبايا إنتاجية تتحكم في الصناعة السينمائية وتوجهها.
إن تحديد جودة العمل السينمائي يتغير بتغير أهداف صناعه وصداه عند الجمهور، فالمنتج يعتبر العمل جيدا إذا حقق أرباحا مادية ولاقى تجاوبا في شبابيك التذاكر، أما نقاد السينما فإنهم يحصرون اهتمامهم -أكثر- فيما تضمنه العمل من مميزات ومواصفات جمالية، ويبقى دور الجمهور أساسيا في رحلة بحث الفيلم عن النجاح، لأن المخرج يتعامل مع هذا العنصر وكأنه ناخب يدلي بصوته في شبابيك التذاكر، فإن أقبل على عمل دون غيره فإنه بطريقة أو بأخرى يختار أو ينتخب مخرجه رئيسا! وعلى اختلاف زوايا النظر التي ينطلق منها المتلقي بكل أصنافه( جمهور، منتج، لجان تحكيم) فقد يحصل الإجماع على جودة عمل سينمائي معين، ويحتفظ تاريخ السينما بالعديد من النماذج  التي استحوذت على اهتمام الجمهور ونالت الحظ الأوفر من الجوائز، كفيلم "ذهب مع الريح gone wiht the wind" الذي حصد عشر جوائز أوسكار، كما احتفظت به الذاكرة السينمائية كأحد أبرز الأفلام  وأكثرها شعبية، وهناك العديد من الأفلام التي استطاعت تحقيق معادلة أسر الجمهور والفوز بالجوائز كفيلم "تايتنك" و فيلم "ملك الخواتم" وغيرها...، لكن في مناسبات عديدة تتقاطع الآراء وتختلف، فنجد الجمهور يحتفي بعمل معين، بينما تهمله لجان التحكيم وتتجاهله في المهرجانات فيكون حظه من الجوائز قليلا بالمقارنة مع احتفاء الجمهور به، أو عكس ذلك كأن تحتفي به المهرجانات السينمائية بينما لا يلاقي نفس الصدى عند الجمهور.
      فإذا كان الجمهور ينظر إلى العمل بما يلبي ميولاته الشخصية التي يعكسها ذهابه إلى قاعات السينما، فإن هذا لا يعني حصول هذا العمل على الجوائز السينمائية، وهو ما يؤكد أن معايير نجاح الفيلم في قاعات السينما ليست هي نفس المعايير التي تجعل منه فيلما مرصعا بالجوائز، فكثير من الأفلام تهدف إلى تحقيق أرباح مادية وكثير منها يهدف إلى بث رسائل مختلفة، بينما تسعى بعض الأعمال إلى نيل  الجوائز في المهرجانات السينمائية، لذلك نجد بعض المخرجين يوجهون أفلامهم بما يرضي لجان التحكيم، أو يشكل قاسما مشتركا لمعظمها، فأصبح الطريق إلى الجوائز السينمائية واضحا أمام من يريده... لكن هذا لا يعني أبدا نجاح الفيلم بمنطق الجمهور إذا لم يكن يحمل مقومات النجاح التي تلبي حاجاته، وهو ما يفسر بقاء بعض الأعمال السينمائية رهينة العلب والمستودعات رغم حصدها جوائز عدة.
       وكما هو معلوم فجائزة الأكاديمية Academy Award‏) التي تُعرف كذلك بجائزة "الأوسكار" التي تشرف على تقديمها سنويا أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، تعد من أرفع الجوائز السينمائية، وهي أهم تتويج قد يحظى به عمل سينمائي، لكن توزيعها السنوي  يصاحبه نصيب كبير من النقد والجدل لأن تاريخها يثبت الخبايا السياسية التي تتحكم في منحها، ولعل جوائز سنة 2010 قد أكدت هذا الطرح بما لا يدع مجالا للشك، وهذا الحديث ينطبق تماما على تتويج فيلم "خزانة الألم" بست جوائز أوسكار فكانت صالة "مسرح كوداك"  -المكان الذي ينظم فيه حفل الأوسكار-، مسرحا حقيقيا لعرض توزيع الجوائز وكان بطله فيلم "خزانة الألم " للمخرجة "كاثرين بيغلو". فأفلام هذا الموسم عموما اتسمت بالتنوع من حيث المواضيع والنجاح، ولكنها لم ترقى إلى جودة أفلام السنوات السابقة ولا اللاحقة لها، حيث كان التنافس بين فيلم "أفاتار" "لجيمس كامرون" الذي بلغت تكاليف إنتاجه نحو نصف المليار دولار، وهي الأعلى في تاريخ هوليود، أما إيراداته فقد بلغت مليارين ونصف المليار دولار، أما  ميزانية "خزانة الألم" فقد بلغت 15 مليون دولار وإيراداته 19 مليونا، وهو ما جعل هذا العام استثنائيا من حيث استفحال الجدل الإعلامي الذي صاحب هذه الدورة، لكن هذا الجدل تناول ما هو سطحي في هذا الموضوع، على اعتبار كون المتنافسين كانا زوجين سابقين، وأن هذا الأمر هو منبع الإثارة في هذه الدورة. لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير فتتويج هذا العمل يحمل أكثر من دلالة، حيث تطفو على السطح فكرة تبرير الغزو  فيبرز الجانب البطولي للجندي الأمريكي عن طريق التركيز على التضحيات التي يقوم بها في البلدان العربية!! مع ممارسة نوع من التعتيم الفاضح لصورة الطرف العربي، وتمثلت في عدم إبراز معاناة العراقيين و تجاوزات الجيش الأمريكي. إن تمجيد صورة الجندي الأمريكي في الخارج  هي دعوة إلى إعادة الاعتبار إلى هذه المهنة وتلميعها في وجه المواطن الأمريكي، وفي مقابل ذلك نجد " أفاتار" الذي حرم من الجوائز الكبرى، (لأن القاعدة تقول أن الجوائز الكبرى لا تذهب لفيلم خيالي) لذلك فاز الفيلم بجوائز تتعلق بالجوانب التقنية لأنه يحمل في طياته دعوة صريحة تعترف بأحقية الشعوب في الدفاع عن أوطانها حتى وإن كان هذا الوطن افتراضيا، فالواضح أن الأكاديمية ثمنت الفيلم الذي يتماشى مع السياسة العامة للولايات المتحدة.
وبأي حال من الأحوال فالطرح السياسي حاضر في كل دورة من دورات توزيع الجوائز العالمية لكنه يخفت في بعضها ويقوى في جائزة الأوسكار على اعتبار قيمتها والتغطية الإعلامية التي تصاحبها، أما جائزة " الجولدن غلوب أو الكرة الذهبية"  ففي غالب الأحيان تكون اختياراتها أكثر موضوعية من حيث تركيزها على الجوانب الفنية والجمالية في العمل السينمائي بالإضافة إلى نجاحه في شباك التذاكر، بينما تبقى جوائز مهرجان كان السينمائي الأكثر تقديرا وإنصافا للقيم الجمالية في الأعمال السينمائية حيث تعلي من قيمة المعايير الفنية، وهو ما يفسر عدم احتكارها من طرف الأفلام الأمريكية فقط، بعكس جوائز الأوسكار التي تخصص جائزة واحدة فقط للفيلم  الأجنبي.
وعلى جانب آخر، فبعض الجهات تهدف من وراء هذه الجوائز إلى صناعة نجوم سينمائية مهما كانت الخسائر، التي تعني مستقبلا أرباحا باهظة، ولعلّ هذا التوجه مرتبط بالشركات السينمائية الكبرى التي تحركها قوى خارجية تتجه نحو احتكار بعض المخرجين والدفع بهم نحو عالم الشهرة من خلال باب الجوائز، وبعد ذلك ينتجون أفلاما ضمن الإطار الذي يلبي غايات هذه القوى الخارجية. ومهما يكن من أمر هذه الجوائز فالخضوع لها يجعل السينما تفقد طابعها التواصلي من خلال إخضاع الفيلم لضغوط لجان التحكيم فتبتعد عن ذوق الجمهور الذي يعتبر أساس عملية التواصل السينمائي.
من هنا يتضح أن ثمّة مؤثرات وخبايا كامنة وراء تتويج بعض الأفلام بالجوائز، وأن هناك أطرافا تصنع من بعض المخرجين نجوما عن طريق مباركة أعمالهم، ومن ثم صنع أفلام سينمائية في الإطار الذي يلبي غاياتها. وقد يلتقي ذلك مع أهداف تعادي تماما تطلعات الجمهور، لكن السينما التي لا تحقق التواصل مع المتلقي عن طريق تشجيع حوافز التفكير لديه، وتدفعه لكي يكون عنصرا فعالا في المجتمع، بعيدا عن الإحباط واليأس، لا يمكن أن تحمل هذه الصفة مهما رصعت بذهب الجوائز، واصطبغت ببريقها.

سليمان الحقيوي