الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
وثيقة تاريخية :المهرجان الوطني الأول للفيلم بقلم محمد الدهان

وأنا بصدد تجميع بعض المعطيات حول تاريخ المهرجان الوطني للفيلم (1982 – 2015) عثرت على ورقة نشرها الناقد السينمائي الراحل الصديق محمد الدهان (1953 - 2013) بمدونته الإلكترونية قبل وفاته بشهور ، استرجع من خلالها ذكرياته عن الدورة الأولى للمهرجان الوطني للفيلم ، التي شارك فيها كعضو في لجنة التحكيم . وتذكرا لهذا الناقد السينمائي المغربي الكبير ، الذي شكل حضوره دوما في هذه التظاهرة السينمائية قيمة مضافة ، نعيد نشر هذه الورقة/الوثيقة (بعد تنقيحها) تعميما للفائد  :

الذاكرة الخصبة : ثلاثون سنة في عمر مهرجان ... الإنطلاقة

 
وأنا أراجع بعض المقالات التي كتبتها حول تاريخ المهرجان الوطني للفيلم ، لفت انتباهي أنني لم أقل شيئا حول الدورة الأولى للمهرجان التي انعقدت بمدينة الرباط من 9 إلى 16 أكتوبر 1982 والتي كنت من بين أعضاء لجنة تحكيمها….هذه الدورة المؤسسة كانت من أجود الدورات وتم فيها عرض أفلام قوية مثل" السراب" لأحمد البوعناني و"ابن السبيل" لمحمد عبد الرحمن التازي و"حلاق درب الفقراء" لمحمد الركاب و"عرائس من قصب" للجيلالي فرحاتي و "الحال" لأحمد المعنوني و"ساعي البريد" لحكيم نوري…وقد جاءت هذه الدورة كنتيجة للطفرة الكمية التي حققها الإنتاج السينمائي المغربي في نهاية السبعينات بعد إنشاء صندوق الدعم السينمائي في عهد المدير السابق للمركز السينمائي المغربي قويدر بناني. ولا شك أن مرحلة السبعينات التي سبقت هذه الدورة والتي تميزت بحيوية خاصة فيما يخص نشر الثقافة السينمائية في إطار الأندية السينمائية وخلق جمهور مثقف واع بضرورة بزوغ سينما وطنية تعكس صورة المجتمع المغربي وتعنى بقضاياه، كان لها تأثير بالغ في الأهمية التي بدأت توليها السلطات العمومية للشأن الثقافي السينمائي …
ولأول مرة سيجتمع السينمائيون والمفكرون والنقاد في إطار رسمي ترعاه الدولة ويسهر عليه المركز السينمائي الذي كان دوره يقتصر قبل هذه الفترة على إعطاء الرخص لتصوير الأفلام والرقابة الأخلاقية والسياسية على محتواها…أما الملتقيات السينمائية فقد كانت تسهر على تنظيمها الجامعة الوطنية لنوادي السينما بإيعاز من المكتب الفيدرالي وبمساهمة الأندية السينمائية المحلية في المدن التي كانت تنظم بها هذه التظاهرات (المحمدية، مكناس، خريبكة، طنجة ... ) .
كانت تلك أول مساهمة لي في لجنة تحكيم سينمائية ، وتصوروا ثقل المسؤولية لا سيما وأن معرفتي بقضايا الفن السابع كانت تنحصر في الجانبين الفني والتاريخي في غياب أي تكوبن تقني اللهم معرفتي بأبجدية اللغة السينمائية أو ما يصطلح على تسميته بالنحو السينمائي وما يعرف بسلم اللقطات وزوايا التصوير…لكنني بالمقابل كنت أتوفر على معرفة حقيقية بالمدارس والاتجاهات الفنية وبتاريخ السينما على العموم، حيث راكمت معلومات واسعة من خلال قراءة الكتب والمجلات المتخصصة ومشاهدة عدد هائل من التحف السينمائية منذ سن المراهقة.
وخلال المناقشات التي كنا نجريها في إطار لجنة التحكيم أدركت أهمية هذا التكوين و أعتقد أنني لعبت دورا لا بأس به في اختيار الأفلام التي حصلت على أهم الجوائز…أتذكر أنني دافعت بقوة عن شريط “السراب” لأحمد البوعناني وشريط "ابن السبيل ” لمحمد عبد الرحمن التازي وشريط “عرائس من قصب” للجيلالي فرحاتي ،الذين نالوا أهم الجوائز مما دفع عضوا في لجنة التحكيم لا داعي لذكر اسمه لاتهامي بالإنحياز لجماعة بعينها…
إن دفاعي عن هذه الأفلام كان امتدادا لقناعة كونتها كناقد ومنشط في الأندية السينمائية حول الدور الاجتماعي للسينما وأهميتها كأداة للرفع من مستوى الوعي وهي قناعة ما زلت أحتفظ بها إلى اليوم.
وقد كانت لجنة التحكيم تضم وجوها معروفة مثل الكاتب أحمد الصفريوي رحمه الله (من أول الكتاب المغاربة باللغة الفرنسية) والمخرج والموزع محمد عفيفي (ليس الممثل محمد سعيد عفيفي) والفنانة التشكيلية لطيفة التيجاني ومدير قاعة سينما الزهوة (التي كانت حديثة العهد قبل أن تغلق كمثيلاتها) السيد محمد فرج…وقد تم تألق الممثل محمد الحبشي في أدائه للدور الرئيسي في فيلم "السراب" ، كما نالت المرحومة نعيمة السعودي زوجة الراحل أحمد البوعناني جائزة أحسن ديكور…
والآن وبعد كل هذا الزمن أدرك أن اختيارات لجنة التحكيم كانت صائبة باستثناء هفوة واحدة: عدم حصول شريط "حلاق درب الفقراء" للراحل محمد الركاب على أي جائزة باستثناء تنويه خاص للجنة التحكيم…وتبين فيما بعد أن هذا الشريط كان من أهم الأفلام التي أسست لما يعرف بتيار الواقعية الجديدة في السينما المغربية ولو لم يخطف منا الموت، العزيز الركاب لكان اليوم من أكبر السينمائيين في المغرب والعالم العربي. لا أتذكر بالضبط سبب إقصاء هذا الشريط، وهذه المسألة تؤكد مرة أخرى أن ما يسمى ب" نتائج لجنة التحكيم " ليس في واقع الأمر سوى اختيارا ذاتيا لمجموعة من المشاهدين (ستة أو سبعة أشخاص في الغالب) وأنه مثل نقطة الامتحان يمكن أن ينبني على خطإ في التقييم ..
أتذكر حفل الاختتام البهيج في نادي الضباط بالرباط وتألق الممثلة نعيمة لمشرقي في أوج جمالها وشبابها، ومصطفى الدرقاوي الذي شارك في هذه الدورة بفيلم "أيام شهرزاد الجميلة"، وأحمد المعنوني الذي نال شريطه “الحال” جائزة الجمهور…أتذكر حفل غذاء بحضور المخرج الفرنسي “كلود لولوش”، والمناقشات الصباحية التي كانت تتم بقاعة الفن السابع بالرباط بحضور المخرجين وهو تقليد حافظ عليه المهرجان إلى اليوم….أتذكر…أتذكر وأشكر السينما التي جعلتني أتوفر على ذاكرة وأقول أن الماضي الشخصي لا وجود له دون الآخرين .

أحمد سيجلماسي