الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  خبايا الصورة السينمائية    
فيلم:الكفاح الأمريكي العميل في قبضة المحتال

  سليمان الحقيوي   

 فيلم الكفاح الأمريكي هو رابع فيلم مهم للمخرج الأمريكي دافيد أو روسل/David O. Russell، واللافت أنه استطاع بمسيرة قصيرة أن يحقق مجدا عجز عن بلوغه غيره بتراكم كبير . بالاضافة إلى أن أفلامهم دائمة المنافسة على أغلب الجوائز المهمة، بدليل عدد ترشيحاته في مختلف الجوائز التي تجاوزت 42 ترشيحا، وهذا ما يجعل من هذا المخرج وأفلامه موضوعا يغري بالدراسة. لا شك أن الامر هنا لا يتعلق بمسألة الحظ، بدليل استمرارية وتيرة النجاح الذي لا زال يحققه روسل بفيلمه الجديد الكفاح الأمريكي/American Hustel الذي ترشح لأهم الجوائز الكبيرة ونافس عليها بكل شراسة. سيعود المخرج في هذا المعمل بذكائه المعهود إلى قصة كانت تبدو جذابة ولكن ليس بمستوى النجاح الضخم الذي حققته-وهو أمر ينطبق على كل أعمال روسل الاخيرة- خصوصا إذا استحضرنا الاعمال الكبيرة والضخمة، التي كانت تجوب القاعات السينمائية في نفس الفترة التي كشف فيها المخرج عن فيلمه، نستحضر هنا (ذئب وول ستريت، الجاذبية، الكابتن فيليبس، 12 سنة من العبودية...)، ولكن العمل أكد أنه على نفس القدر من الجودة حيث كانت الافلام تغادر المنافسة المحتدمة في شباك التذاكر بينما ظل الكفاح الامريكي يكافح لشهور محققا حجم إيرادات بلغت أكثر من 150 مليون دولار. قصة الفيلم تعود إلى مابين سنة 1970 و1980 وتستّل قضية من ملفات مكتب التحقيقات الفدرالي FBI فهي تحكي عن عملية أبسكام التي شكلت إحدى أبرز فترات الفساد والتي تبعها جدل إعلامي كبير، والأحداث هي مزيج عبقري بين الجريمة و الدراما والكوميديا عن لصين ( ايرفينج رزنفيلد/ كريستيان بيل) و ( سيدني بروسر/ ايمي آدمز) محتالان يؤسسان شركة وهمية للاستثمار بهدف سرقة اموال الناس، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يتابع عملياتهما من خلال العميل ريتشي ديماسوا/ برادلي كوبر الذي ألقى عليهما القبض فأصبح إطلاق صراحهما مشروط بتعاونهما مع المكتب لإلقاء القبض على مجموعة من رؤوس الفساد. لكن في الاخير سيقع العميل ضحية عملية نصب كبيرة قام بها الثنائي سيدني و رونفيلد. الفيلم يعطي الانطباع بالنفس الخفيف، والمتعة بفضل البداية القوية التي تعد بالتشويق ويستمر هذا المنحى حتى النهاية بقصة يضع فيها المخرج اليد على قضايا كثيرة؛ الجسد، الاضرابات الاجتماعية، الفساد...دون أن يتوقف عند موضوعة واحدة أكثر من اللزوم، بل يمر ويترك المتفرج يعمل ذهنه، وهي طريقة فريدة تجعل اعمال راسل تتميز بالجاذبية الكبيرة. النجاح الذي لا زال يحصده المخرج دايفيد أو راسل _ بدون شك_ مصدره الإمكانات الفنية التي يتمتع بها، ويعود كذلك إلى حسن اختياراته الجمالية، ثم إلى إدارته لطاقمه ودقته اختياراته. فإذا سلمنا بوجود كل العناصر السابقة. سيظهر أن هناك مصادر يستمد منها المخرج نجاحه، ليس في فيلم الكفاح الأمريكي فقط، بل حتى في فيلمه السابق العلاج بالسعادة. فالكل في هوليود وخارجها يتساءل عن سر النجاح الكبير والمتكرر لروسل، بعضهم يذهب إلى أنه محبوب في هوليود الامر الذي يجعل أعماله دائما مرحبا بها في جوائز الاوسكار وغيرها. لكن بعيدا عن ذلك كله سنلاحظ أن الرجل ماكر فنيا وذكاءه يفوق البعض، ذكاء يزاوج بين الفني والتجاري، فهو يعمد إلى حشد طاقم تمثيل قوي على الاقل أربع ممثلين في الادوار الرئيسية، ولا يجعل القصة على عاتق أحد هذه الشخصيات بل يوزع الاحداث بشكل يجعنا ننجذب إلى كل هذه الشخصيات، وهذه السمة حاضرة في فيلم العلاج بالسعادة بطولة (برادلي كوبر، جينفر لورانس، جاكي ويفر، كريس توكر...) فجانب التشخيص يغري بمشاهدة الفيلم، وفي الفيلم الجديد يعود إلى اللعب بذات القواعد بعد أن أثبتت نجاحها، فيعتمد على طاقم قوي أيضا ( كريستان بيل، برادلي كوبر، جينيفر لورانس، ايمي أدامز، جيرمي رينر) والدليل على نجاح هذه الرؤية الفنية هو ترشح طاقم التمثيل لأربع جوائز في صنفيها افضل ممثل/ممثلة في دور رئيس وأفضل ممثل/ممثلة في دور مساعد، وهو أمر نادر الحصول. وفي نفس سياق الاداء سنجد المخرج يتعامل مع نفس الوجوه –طبعا الامر ليس خاضعا لمنطق الصداقة- فقد تعامل مع جينيفر لورانس وبرادلي كوبر في فيلمي العلاج بالسعادة و الكفاح الامريكي، أما كريستيان بيل وإيمي أدامز فقد تعامل معهما في فيلمي المقاتل والكفاح الامريكي، ربما جانب الاداء يجعل أمر تقييمه أمرا صعبا لأن الشخصيات كانت تتعامل مع أدوارها بتماهٍ كبير، لأن العلاقة مع المخرج تمتد لأكثر من عمل الامر الذي يجعله يتواصل معها بطريقة سهلة، هذا الخيار انعكس بشكل جيد على الفيلم، وكنيتجة منطقية فقد اقتحم الطاقم أربع جوائز اوسكار في صنف التمثيل، سنلاحظ أيضا، أن راسل أغلب في افلامه يصر على عملية الكتابة سواء بالانفراد بها أو المشاركة، وأعتقد أنه محب لكتابة الافلام لكي يتحكم بشكل أكبر في القصة وأحداثها ويدير الطاقم بالشكل الذي يجعل الكل يقدم أقصى مجهود، وقصة الفيلم هي من أبرز النصوص الأصلية هذه السنة، فالمشاركة في الكتابة مكنت المخرج هنا من التعبير عن الفضاء بدقة متناهية وكأن الجمهور فعلا يعيش في فترة الثمانينات بالاهتمام بأدق التفاصيل من أزياء وماكياج وألوان، دون أن ننسى طريقة سير الحوار ومعجمه. وبخلاف ذلك فراسل يمتلك خلطة سحرية أخرى، فهو لا يجعل فيلمه يقتحم تيمة واحدة بعينها، بل يمزج بين تيمات متعددة، فبالنسبة لفيلم العلاج بالسعادة نجد (سينما العائلة الكوميدية الرياضة الازمات الاجتماعية العلاقات الاجتماعية الازمة المالية)، وفي فيلم الكفاح الامريكي نجد (الكوميديا، الجريمة، الفساد، العلاقات الاجتماعية...) هذا القطف التيماتيكي المتعدد يجعل الفيلم ينماز عن غيره ويجعل الجمهور قريبا منه راغبا فيه. هذه إذن أبرز قواعد نجاح دافيد روسل التي ضمنت له النجاح والمجد، والتي جعلته يمتلك، خطا إخراجيا متميزا، عن سواء، ولا شك أنه سيعد اللعب بها في أفلامه القادمة ما دامت تقود إلى النجاح المتكامل عند النقاد و الجمهور.

سليمان الحقيوي