الصفحة الرئيسية   إتصل بنا
 >>  متابعات سينمائية    
ريدلي سكوت يؤنسن النبي موسى

يقدم ريدلي سكوت في جديده المثير للجدل، "سفر الخروج: آلهة وملوك"، قراءة مختلفة، جديدة ــ قديمة، تقف على حدود رفض النصّ الديني، لحكاية موسى. هذا النبي الذي، كما جاء في الرواية التوراتية، قاد شعبه بني اسرائيل الى خارج أرض الفراعنة مخلصاً اياه من عبودية دامت أربعة قرون. ما يقترحه المخرج البريطاني الكبير ("المصارع" ـ 2000)، لا يختلف كثيراً عمّا نعرفه عن هذه الحكاية وعمّا شاهدناه في عدد من الأفلام، وعلى رأسها "الوصايا العشر" لسيسيل ب. دوميل، العام 1956. ومع ذلك، لدى سكوت تلك القدرة على استفزاز العصبيات بمقاربة حساسة للتاريخ، وهو يتبنى هنا طرحاً مفاجئاً يتجسد في البعض من خياراته السينماية، خصوصاً انه يعرف كيف يبني جسراً بين الماضي والحاضر، بين الاسطورة والواقعية، بين السياسة والدين.

في خطوطه العريضة، يبقى الفيلم مخلصاً الى حدّ بعيد للنصّ الديني، أمّا التفاصيل، فهي مطروحة على نحو يفتح المجال للتساؤلات والشك. موسى نفسه يظهر في شخصية رجل غير متأكد من نبؤته. هو اصلاً، كما يقدمه الشريط، نبيٌ رغماً عنه، او نبي من دون ان يعرف انه نبي. في البداية، نراه يقاتل في معسكر "شقيقه" رمسيس الثاني، لا بل ينقذ حياته خلال معركة، قبل أن ينقلب عليه عندما يعلم انه ينتمي الى شعب يضطهده الفرعون. يصوّره سكوت قاسياً ورحوماً في الآن معاً، سيفه لا يهدأ. بيد انه يمتلك سمة المسؤول العادل. هل هو قائد عسكري أمّ نبي الله؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه سكوت في الفيلم. سؤال يتلاشى من فرط ما يجعله سكوت يبدو ثانوياً في نهاية الفيلم، وقد يزعج الكثيرين، أولهم اتباع الديانة اليهودية.

أما الله، فيقدمه الفيلم في هيئة ولد. ولكن هذا الولد نوع من رسول أكثر من كونه الله. نراه يسدي النصائح الى موسى كي يخلص شعبه من الاضطهاد والعبودية. اللافت في شخصية الرسول الولد تطرفه، فهو أكثر ميلاً للحلّ الجذري من موسى، حدّ ان وجهة نظرهما تتعارضان في أحايين كثيرة. هذه العلاقة التي بين موسى والله، هي مركز ثقل الفيلم، وتحيلنا على فعل "القتل باسم الله"، الفكرة المجرمة التي لا نزال تحت رحمتها كل ساعة وكل دقيقة، خصوصاً في منطقتنا هذه. بيد ان الفكرة الأهم التي يتمحور عليها الفيلم هي الآتي: الى أي حدّ يمكن ان يذهب الانسان في سبيل الايمان؟

موسى شخصية تلهم سكوت. انه الثائر على السلطة العليا الذي يحتاج اليه كل فيلم ملحمي من توقيع المخرج البريطاني. هكذا كان المصارع وهكذا كان روبن هوود في أفلامه السابقة. اذاً، لا يجد مخرجنا نفسه في أرض ليست أرضه. ولا يبلور سينماه خارج الاطر التيماتيكية التي تطورت فيها. سكوت يعرف عمّا يتكلم، ورؤياه هي خلاصة بحث جاد في المراجع التاريخية وموقفه من العالم الحالي.

في "سفر الخروج"، لا يفتح موسى البحر بعصاه ويشقه شقين. عبوره في المياه يحصل نتيجة كارثة طبيعية تذكر بالتسونامي. مرة أخرى، يختار سكوت معالجة لهذا الفصل، تكون أقرب الى منطق تتقبله الأجيال الجديدة، جيل التواصل الاجتماعي والأبعاد الثلاثة. في هذه النقطة تحديداً، يكمن ذكاء الفيلم، حساسيته وقابليته على النقد. أمّا فصل الوصايا العشر، فلا يجد سكوت ضرورة لجعله محور الفيلم، بل يبقيه جزءاً من كلّ. يتفادى صورة موسى الأيقونية وهو يقف على اعلى الجبل وفي يديه الوصايا. لا يقع سكوت في الكاريكاتور، كما انه لا ينجر الى تسويق المنحى الأخلاقي للوصايا. في لحظة من اللحظات، يسأل الرسول الولد لموسى وهو ينحت الحجر اذا كان موافقاً على مضمون الوصايا، فيتوقف عن الحفر، ينظر اليه للحظة، ويتابع عمله.

يصل "سفر الخروج" الى لبنان بعدما منعه دولتان عربيتان ــ الى الآن: في المغرب، طلب "المركز السينمائي المغربي" تحت ضغط الجماعات الاسلامية المتشددة، سحب الفيلم من الصالات، كونه يجسد النبي في صورة ولد، وهو شيء، في اعتقادها الخاطئ، "مرفوض في الديانات السموية الثلاث". أمّا في مصر، فقد قالت الرقابة ان حوادث الفيلم كما صوّرها سكوت، لا تتطابق مع "الحقائق التاريخية". وقد امتعض بعض المصريين من الجملة التي ظهرت في بداية الفيلم وهي تقول ان "العبرانيين شاركوا في بناء الاهرامات". وقد تكون الصورة التي قدم بها سكوت، رمسيس الثاني، ساهمت ايضاً في ان ترفض مصر هذا الفيلم، علماً انه تم تصوير أجزاء منه في مصر! امّا في لبنان، فقد قررت الرقابة تسبيق الفيلم بعبارة، سبق ان استُعملت في فيلم "نوح" لدارن أرونوفسكي: "هذا الفيلم لا يمت الى النصّ الديني بصلة وهو لا يعبر الا عن وجهة نظر المخرج.

هوفيك حبشيان