الرئيسيةالسينما المغربيةلمحة عن مسار الإنتاج السينمائي المشترك في المغرب

لمحة عن مسار الإنتاج السينمائي المشترك في المغرب

منذ البدايات الحقيقية للسينما المغربية نهاية الستينات من القرن الماضي وحتى أواسط التسعينيات لم تكن هنالك أفلام كثيرة تخضع لنظام الإنتاج المشترك، باستثناء مُخرِجَينِ مغربيين من الرواد هما سهيل بن بركة الذي أخرج أغلب أفلامه بداية من السبعينيات اعتمادا على الإنتاج المشترك خصوصا مع إيطاليا وبتقنيين وممثلين عالميين، وعبد الله المصباحي الذي كانت أغلب أفلامه مزيجا من الممثلين والتقنيين المغاربة والمصريين وتُصَوَّرُ في كلا البلدين.

وهكذا أخرج سهيل بن بركة فيلم «ألف يد ويد» سنة 1972 وهو من إنتاج مغربي إيطالي، وفيلم «حرب البترول لن تقع» سنة 1975 وهو من إنتاج مغربي فرنسي، وفيلم «أموك» سنة 1982 وهو من إنتاج غيني سينغالي مغربي، ثم فيلم «طبول النار» سنة 1990 وهو من بالاشتراك مع الاتحاد السوفياتي سابقا وإسبانيا وإيطاليا.
أما عبد الله المصباحي فأخرج أفلام «غدا لن تتبدل الأرض» (سنة 1975)، و«سأكتب اسمك على الرمال» (سنة 1979)، ثم «أين تخبؤون الشمس» سنة 1980، وكلها أفلام من إنتاج مغربي مصري، إضافة لفيلم «الضوء الخضر» سنة 1976، الذي كان لليبيا النصيب الأكبر في إنتاجه رغم أن به ممثلين وتقنيين من مصر والمغرب.
لكن وابتداء من سنة 1995 تاريخ انعقاد الدورة الخامسة للمهرجان الوطني للسينما المغربية بمدينة طنجة (الذي أصبح فيما بعد يحمل إسم المهرجان الوطني للفيلم)، ظهر جيل من المخرجين الذين إما كانوا يحملون جنسيات أخرى إضافة للمغربية أو كانوا يقيمون بالتناوب بين المغرب وإحدى دول أوروبا، وهكذا أصبحت أفلام هؤلاء تحمل جنسية المغرب إضافة لجنسية البلد الذي أتَوا منه، والذي كان طرفا في إنتاج أفلامهم، وكان أغلبهم آتين من فرنسا. ومن بين هؤلاء نبيل عيوش، نور الدين لخماري، إسماعيل فروخي، محمد أولاد امحند، ومريم بكير.
ولقد عرفت مسألة الإنتاج المشترك في المغرب نقاشا مستفيضا مازال يُرخي بِسُدُوله على المشهد السينمائي في المغرب، إذ أن هنالك رأيا يذهب إلى أن المخرجين الذين يستفيدون من دعم أجنبي ثم يأخذون دعما من صندوق الدعم المغربي يشكلون عبئا على السينما المغربية، وأن الأموال التي تمنح لهم لا تستفيد منها السينما المغربية بل هم بذلك يَسطُون على حق مخرجين مغاربة محليين ليس لهم من مُورد لصنع أفلامهم سوى صندوق الدعم المحلي.
وبخصوص النقاش السائد حول كون الأفلام التي يتم دعمها من طرف جهات خارجية تأتي مسيئة للبلد ومُرضية للجهات المانحة فقد ظهر مع الوقت أنه نقاش في غير محله، إذ أن الأمرَ يتعلق بالمخرج الذي إما يُقدم تنازلات في هذا السياق أو يظل مُصرّا على رؤيته رغم كونه يستفيد من أموال أجنبية.
ونجد أن العديد من الأفلام المغربية التي تم إنتاجها بشراكة مع دول غربية وخصوصا مع فرنسا كانت جيدة فنيا ولم تكن تحمل سوى رؤية وتصور صاحبها، مع بعض الاستثناءات.
في السنوات الأخيرة أصبح مخرجون مغاربة متميزون يحصلون على دعم من دول خليجية، كدعم مهرجان دبي السينمائي والدعم القطري للأفلام.
ومن بين أهم هؤلاء هشام العسري وحكيم بلعباس اللذان استفادا من هذه الطريقة في الإنتاج المشترك أكثر من مرة واستطاعا من خلالها إنجاز أفلام متميزة.

هذا بخصوص المخرجين المغاربة، أما فيما يتعلق باشتراك المغرب كجهة داعمة لأفلام مخرجين من بلدان أخرى فقد ساهم المغرب في إنتاج أفلام من إفريقيا ومن بعض الدول العربية كمصر وتونس، بوضعه تحت تصرف مخرجين من هذه البلدان تجهيزات وخبرات المركز السينمائي المغربي. ومن بين المخرجين المصريين الذين استفادوا من ذلك يسري نصر الله وإبراهيم البطوط ويوسف شاهين الذي كانت القناة التلفزية المغربية الثانية «دوزيم» طرفا في إنتاج فيلمه «المصير» حينما كان الناقد نور الدين الصايل مديرا لها.
وقام المركز السينمائي المغربي وعبر سنوات بتوقيع شراكات للإنتاج السينمائي مع عدة دول غربية وعربية وإفريقية وهذه الدول هي:
فرنسا، الأرجنتين، بلجيكا، البنين، كندا، ساحل العاج، إسبانيا، مصر، إيطاليا، مالي، النيجر، السينغال، سوريا، إضافة لدول المغرب العربي.
وتظل فرنسا هي الحاصلة على حصة الأسد في الإنتاج المشترك مع المغرب. فعلى سبيل المثال بين سنة 2003 و2007 حسب الإحصائيات الرسمية للمركز السينمائي المغربي، جاءت فرنسا على رأس اللائحة بسبعة أفلام وتلتها تونس بخمسة أفلام فمالي بفيلمين ثم الجزائر ومصر وتشاد وبلجيكا وإسبانيا وألمانيا وكندا بفيلم لكل واحدة منها.
وبمناسبة انعقاد الدورة 18 للمهرجان الوطني للفيلم، تم إحياء النقاش حول مسألة الإنتاج المشترك وكانت المناسبة هي عدم اختيار فيلم «ميموزا» للمخرج الإسباني المقيم بالمغرب أوليفر لاكس من طرف لجنة اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان، بدعوى أن مخرجه ليس مغربيا وأن بندا من بنود المهرجان يشترط في الفيلم المشارك أن يكون مخرجه كذلك، هذا رغم أن المغرب يُعتبر طرفا مهما في إنتاج هذا الفيلم وكونه صُوِّر في المغرب وبممثلين وتقنيين مغاربة ويتناول قضايا وهموم مغربية.
وهنا انفصل المهنيون السينمائيون والنقاد والمهتمون إلى فريقين، الفريق الأول يقول بأن هوية الفيلم يُحدِّدها الإنتاج وهذا جاري به العمل في عدة دول متقدمة سينمائيا ولديها تقاليد عريقة في هذا السياق، وأنه علينا اعتبار الفيلم مغربيا وفسح الجال له للمشاركة، لأن الفيلم لاتُحَدَّدُ هويته بهوية مخرجه، وأن هوية أي فيلم هي إبداعه، ويستشهدون بالسينما الأمريكية وسينمات أخرى لاتهتم بجنسية المخرج بل بالطرف المنتج. ويتأسف هؤلاء «على وقوف سينمائيين في صفّ جمود وبيروقراطية القانون ضدّ السينما، في عالم منفتح أضحى الإنتاج المشترك فيه هو القاعدة، وغدى من شِبه المستحيل تحديد جنسية فيلم ما بناء على معايير محددة».
أما الفريق الثاني فيعتبر أن فتح المجال لمثل هذه الإنتاجات هدفه هدم السينما المغربية الفتية من الداخل ومحاربة المخرجين المحليين الذين لا يستطيعون منافسة مثل هاته الأفلام إنتاجيا، وأن شركات إنتاج خُلقت مثل الفِطر لتستفيد من مثل هاته المشاريع بدون أن تقدم شيئا سوى كونها وسيطا مغربيا يُمكِّن الأجانب من الاستفادة من أموال الدولة المغربية فيما أنهم يقدمون أفلامهم في المهرجانات الكبرى بالجنسية التي ينتمون لها.
ومازال النقاش حول هذا الموضوع في بدايته وسيعرف تطورات في المستقبل، الأمر الذي يجعل مسألة الإنتاج المشترك في قلب النقاش حول السينما في المغرب حاليا.

عبد الكريم واكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *