الرئيسيةأعمدةمبارك حسني: أموات وولادات على الطريقة المغربية

مبارك حسني: أموات وولادات على الطريقة المغربية

يبدو جلياً أن السينما المغربية حالياً تتجه أكثر وأكثر نحو تحقيق ذاتها فنياً، من الناحية الإنتاجية على الأقل، ولم تعد أمراً طارئاً في المشهد «الشو بيزنس» على المقاس المغربي. والدليل هو تكرار إنتاجات فيلمية متشابهة معنى ومبنى بشكل متواتر لا تتحكم فيه آليات الظروف المادية والتقنية، ما دام هناك وجود لكتابة سيناريو احترافي، مقبول ومحبوك لهدف محدد لا يحيد عنه. وما دام هناك إمكان توفّر ثلة من الممثلين الموهوبين الشهيرين المستعدين لأن يوصلوه إلى جماهير غفيرة تشاهده في القاعات السينمائية القليلة الموجودة، والتي بغرابة ما، باتت تستطيع ملء مقاعد باستمرار ولأسابيع طويلة. أفلام ليس غرضها اقتطاع مكانة فنية متميزة، ولكن فقط نسج وضمان لحظات ممتعة بالضحك وكوميديا المواقف في قوالب شعبية الإطار والتصور. سينما شعبية لها مجال حضورها الواضح.

مزاوجة الفن بالجماهيرية

وفيلم «كورصة» يبرهن على ذلك من نواح عدة. وتلعب فيه يد الممثل الكوميدي والمنتج عبدالله توكونة الملقب بفركوس، الدور الكبير، هو الذي زاوج الآن بين هذين المعطيين ونجح فيهما، فأضاف إليهما قبعة المخرج السينمائي، ما جعل الكثير من الأسماء الهامة في ميدان الفن السابع المغربي، يتعامل معه بغض النظر عن نوعية السينما التي يسعى إليها. و «كورصة» تعني ككلمة دارجة قادمة من الفرنسية رحلة سفر مؤداة. وفعلاً الفيلم كله سفر في الطريق يجر وينشر عدداً من المواقف المضحكة الخفيفة. سفر من مدينة مراكش الحمراء مدينة إقامة المخرج نحو مدينة تطوان في الشمال المغربي عبر طريق غير الطريق السريع أو الطريق السيار، مانحاً في ذات الوقت لقطات متعددة تروم الاكتشاف تلو الآخر لمدن ومناطق غير مطروقة فنياً، فيبدو في ذات الأمر مستغلاً المرور هذا لدفع الحكايات للتناسل، وهي كثيرة مرتبطة بحدوثة مثيرة لذلك.

لدينا هنا شخص ثري جداً اسمه صالح له أملاك في مدينتي مراكش وتطوان، أصيب بعارض صحي لعدم وجود الدواء أودى به. الشيء حفز طمع أبنائه في الحصول على الإرث واقتحام التركة المادية والعينية التي تركها في أقرب وقت وعلى وجه السرعة، مع ضرب عرض الحائط لكل إحساس عاطفي إنساني واجب. ووجب نقله للدفن في تطوان ما يستدعي نقله إليها عبر سيارة نقل أموات. وهذه السيارة بالذات، هي التي تقوم بدور رئيسي في الفيلم لكونها سيارة مرتبطة بالموت، وبكل ما يتعلق به من طقوس وجدية وعواطف الحزن. وهنا المفارقة الأولى التي يلعب عليها الشريط. بمعنى خلق تضاد ما بين صورة تحيل على واقع متعلق بها، وتُوَظَّف لعكس ذلك في الكثير من الوقائع، ما يحدث الفهم المغلوط وسوء الفهم المراد في حقيقة الأمر. طبعاً، لا يتحول هذا المعطى إلى غير ما يعنيه من صورة مرافقة للمضحك لا غير، وما الإشارة إلى ما هو اجتماعي لا يتجاوز كونه يحصل بشكل عرضي فقط. رغم التطرق إلى مواضيع اجتماعية كبيرة كانعدام الوشائج العائلية حين تطغى قيم المال والربح التي تسبب أيضاً تضعضع العلاقات الزوجية ما يجعل اللحمة الواجبة تختفي منها تماماً، وأيضاً التطرق إلى الفوارق في التعامل من لدن الفقراء من جهة والأغنياء من جهة ثانية والتي تجملها موضوعة النفاق الاجتماعي. فالشريط يظل ممهوراً بالمرح والطرافة التي تختفي منها السينما بمعطاها الفني والتعبيري.

مسرح أحداث متنقل

إذاً تصير سيارة نقل الأموات مسرح أحداث مختلفة لا علاقة لها بالموت الذي وظفت له. لأن من يقودها هو فركوس الممثل الرئيسي. هي المرادف لحياته وما يعيشه. يعتني بها محولاً إياها إلى مجال لأشياء كثيرة بحسب الظروف التي يختلقها السيناريو وتطرح في مسير الرحلة، ولا تروح منها رائحة الجثث حتى. في الرحلة تصر زوجته التي تؤدي دورها الممثلة المعروفة بشرى أهريش على مرافقته، حتى وهي في دور امرأة حامل في شهرها التاسع، ونخمن ما سيقع من مغامرات تحار بين واجب نقل الميت وإنقاذ الزوجة القريبة من الوضع في طريق لا تتشابه محطاتها ولا عادات ساكنيها، الشيء الذي يمنح وقائع ساخرة توخى الفيلم أن يبالغ فيها ويمططها كثيراً كما هو مألوف لدى مخرجه.

والحقيقة أن هذا الثنائي التلفزي الذي أثبت نجاحه كوميديا لدى شريحة واسعة من الجماهير، استطاع أن يستثمر هذا النجاح في مجال الشاشة الكبرى. و«كورصة» فرصة جديدة لتبيان ذلك. وهو ما حدث. بخاصة أن عبدالله استعان بممثلين كوميديين معروفين واستعان بالمعطيات المحلية لكل مكان حلت به فرقته التمثيلية ليزيد من الطرافة. ولتأكيد الطابع الشعبي للفيلم وتوفير إجماع جماهيري حوله، وهو ما حصل في أيام عرضه الأولى، أقحم المخرج مشاهد موسيقية كاملة متنوعة ما بين اللحن العصري ولحن نساء تطوان الجميل.

وهكذا نجحت التوليفة المجربة في هكذا أعمال سينمائية، فكانت «كورصة» رحلة سينمائية في جانبها التقني المصور، تحكي حلقة من حلقات الرواية الشعبية كما يمكن أن تسمع وتتبع في حلقات جامع الفنا الشهيرة بمدينة مراكش. وليس ذلك مما يجب نبذه ولا الازورار عنه. هي سينما يجب أن توجد مثل تواجد مثيلتها في مصر منذ عقود طويلة من طرف كوميديين معروفين. لكنها هنا ذات طعم مغربي، وهذا هو الأساس.

 

مبارك حسني

مبارك حسني 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *