الرئيسيةحواراتمحمد الشريف الطريبق: أي فيلم يجب أن تكون فيه خلفية تاريخية

محمد الشريف الطريبق: أي فيلم يجب أن تكون فيه خلفية تاريخية

محمد الشريف الطريبق من بين المخرجين المغاربة الشباب الذين فرضوا أنفسهم بتأن وتؤدة في المشهد السينمائي المغربي، فبعد عدة أفلام قصيرة من بينها “نسيمة” و”بالكون أتلانتيكو” الذي شارك في عدة مهرجانات سينمائية دولية ونال عدة جوائز، أنجز أفلام تلفزيونية وفي نفس الآن أخرج فيلمه السينمائي الروائي الطويل “زمن الرفاق” سنة 2008، لينجز بعد ذلك فيلمه الروائي الطويل “أفراح صغيرة” سنة 2015، هذين الفيلمين السينمائيين اللذين فازا بعدة جوائز في مهرجانات مغربية وعربية وقارية.
إلتقينا في سينفيليا شريف الطريبق وأجرينا معه الحوار التالي:

1- تناولت في فيلميك الروائيين الطويلين “زمن الرفاق” و”أفراح صغيرة” مرحلتين تاريخيتين من تاريخ المغرب المعاصر، هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الاختيار؟
هو ليس اختيارا مفكرا فيه بشكل كبير، بل كان في الفيلم الأول عفويا باعتبار أنني عايشت الحركة الطلابية حتى وأنا مازلت في مدينتي العرائش وذلك من خلال النادي السينمائي، وقد أثارتني أجواء الجامعة بعد أن التحقت بها ثم من خلال الأفلام التي كنت أشاهدها آنذاك، وهكذا وجدت مادة دسمة في تلك الصراعات التي كان يشهدها المشهد الطلابي وفي ذلك العالم عموما. ولكي أكون صريحا فأنا لم أكن أفهم الصراع الطلابي جيدا في حينه لَمَّا كنت في الجامعة لكن حتى بدأت في إنجاز فيلمي “زمن الرفاق”، إذ كانت هنالك مجموعة من الفصائل الطلابية تدافع على نفس المبادئ الأمر الذي جعلني آنذاك أستغرب من الاختلافات والتشاحنات التي كانت تحدث بينها. وكان الفيلم بالنسبة لي وسيلة لمحاولة الفهم.
أما الفيلم الثاني “أفراح صغيرة” فجاءت فكرته حينما كنت أصور فيلم “زمن الرفاق” ومن خلاله تعرفت جيدا على مدينة تطوان وأجوائها وعائلاتها الأندلسية الكبيرة، وأحسست بالحنين لمثل هاته الأجواء، وهكذا بحثت عن فكرة تدخلني إليها، وكنت أيضا قرأت كتاب فاطمة المرنيسي “نساء على أجنحة الحلم” والذي تروي فيه عن نفس الأجواء لكن في مدينة فاس في الأربعينات وكانت دقيقة في تفاصيلها الأمر الذي شجعني على الانطلاقة التي دفعتني لصناعة هذا الفيلم.
بالنسبة لي أن أي قصة تحكيها في فيلم ما كيف ماكانت يجب أن تكون فيها خلفية تاريخية وسياسية وإلا ستبدو مصطنعة ومفتعلة وليس لها أي هدف، ولو أني في فيلم “أفراح صغيرة” حاولت تغييب الأحداث السياسية والتاريخية مع محاولة تضمينها في العلاقات الاجتماعية وفي تفاصيل الحياة اليومية وهذا هو التطور الذي وقع بين الفيلم الأول “زمن الرفاق” والثاني “أفراح صغيرة”، لأن التاريخ الاجتماعي في المغرب مغيب إذ أننا لا نجد سوى تاريخ السلاطين وتاريخ السياسة فقط ولكن حينما نبحث عن تاريخ الحياة اليومية للناس ماذا كانوا يأكلون ويشربون كيف كان نمط حياتهم فإننا سنجد فراغا في هذا الجانب، وقد ذهبت لهذا التاريخ المنسي أكثر مما ركزت على التاريخ الرسمي للصراعات السياسية والحركة الوطنية.
حتى في أفلام الخيال العلمي التي يكون فيها الزمن افتراضيا تجدها مؤطرة بخلفيات تاريخية ما تجد لها مرجعية في الواقع وغالبا ماتكون فترة قديمة يتم استلهامها وتطويعها لأحداث تجري في مركبة فضائية على سبيل المثال، لكن طبيعة الصراعات على السلطة وطبيعة العلاقات بين الشخوص تكون مستلهمة من أحداث تاريخية أو حتى من أساطير إغريقية أو غيرها. ولهذا فالنسبة لي للخلفية التاريخية دور مهم جدا في تدعيم القصة وجعلها تتمتع بمشروعية.

2- في فيلمك الطويل الثاني “أفراح صغيرة” تناولت تيمة قد تبدو جريئة في مجتمع محافظ كالمجتمع المغربي، لكنك لم تكن بنفس الجرأة في تصويرك للجسد الأنثوي رغم أن الموضوع المتناول كان يتيح لك ذلك ويغري به، لماذا هذا الاختيار؟

أولا العلاقات المثلية ليست هي الموضوع الأساسي في الفيلم، وقد تم اكتشافي لهذه العلاقات في ذلك السياق الاجتماعي الذي تناولتُه في الفيلم بشكل طبيعي وتلقائي وأنا أحاول أن أحكي قصصا لنساء في مجتمع منغلق على نفسه، ولم يكن هدفي نهائيا البحث عن تيمة قد تخلق نوعا من “البوليميك” وقد تُنجح الفيلم تجاريا وجماهيريا بل أتى ذلك في السياق وبشكل طبيعي جدا.
ولحدود الآن مازالت هنالك حميمية بين النساء في مجتمعنا غير موجودة عند الرجال فيما بينهم، حتى في المسافات التي يجلسن فيها تكون قريبة ويتسالمن وتلامسن بشكل أكثر حميمية وحتى إن لم يكُنَّ يتعارفن… وبالتالي حينما نعود للماضي حيث كان الفصل بين العالم الرجولي والعالم النسائي سنجد أن العلاقات الاجتماعية بين النساء كانت أكثر حميمية مما هي عيله الآن، وإذا زدنا تعمقا في هذه الفكرة سنجد أن النساء في ذلك الوقت كُنَّ يتزوجن برجال غرباء لايعرفونهن ولم يلتقين بهم أبدا وتحافظن على تلك الحياة التي لديهن مع نساء العائلة والنساء الجارات، وبالتالي فبالنسبة لي كانت العلاقات المثلية تشكل مجازا لدرجة تلك الحميمية التي كانت بين النساء آنذاك. ولهذا لم يُطرح بالنسبة لي موضوع الجرأة ولوكنت طرحته على نفسي فسأكون أمارس التجارة ولست أصنع فيلما، لايجب علي أن أجلس وأفكر هل علي أن أكون جريئا أم لا بل على الموضوع أن يدفعني لكي أكون جريئا، إذ أن الفيلم إذا تم عرضه في فرنسا لن يبدو جريئا لكنه في المغرب سيحكم عليه كونه جريئا في الوضع الذي نعيشه نحن الآن في المغرب، بالنسبة لي أن أتساءل لحظة الكتابة والإنجاز “هل سأكون جريئا أم لا؟” سؤال خاطئ ولايمكنني أن أصنع فيلما جيدا، ولذلك لم أطرحه على نفسي. وعلى الجمهور والمهتمين أن يتساءلوا هل ظل شيء ما غير مفهوم أو ناقصا أم فقط لأن تلك النوعية من الأفلام لابد أن تكونة فيها جرأة؟

3- في نفس الفيلم “أفراح صغيرة” نجد مرجعيات سينمائية خصوصا بالنسبة للسينما المصرية التي حيث تذهب الفتيات رفقة العائلة لقاعة السينما حيث يشاهدن أفلام فريد الأطرش الغنائية، حدثنا عن هذا الجانب.
سيكون الواحد جاحدا إذا أنكر ريادة السينما المصرية وتأثيرها في أجيال، كلنا تربينا عليها ومعها حتى أولائك الذي قطعوا معها في فترات لاحقة من حياتهم، وحلمنا بها وارتبطنا مع أبطالها رغم أننا لم نكن نعرف أسماء مخرجيها آنذاك، وبالتالي فهي مكون أساسي لمخيلتنا السينمائية كمغاربة، طبعا لجيل سابق لأن الأجيال الحالية ربما لم تعد لها هذه العلاقة، لأنها كانت مفروضة علينا ومتاحة لنا في التلفزة وفي قاعات السينما آنذاك، ومن الصعب أن يأتي من ينكر هذا التأثير وذلك الحضور القوي أو يتهمها بكونها سينما ضعيفة، هي سينما قوية كونها استطات أن تصير صناعة قائمة الذات واستطاعت أن تخلق سوقا الأمر الذي لم نستطع بعد خلقه وأنها أثرت في أجيال وأجيال، وأنها سينما رغم كونها ذهبت للميلودراما وللأجناس السينمائية التجارية إلا أنها أتقنتها ، إذ حينما نشاهد أفلام هنري بركات وعز الدين ذو الفقار وحسن الإمام والأفلام الغنائية لفريد الأطرش …نستنتج أنها سينما جيدة. وكانت في نفس الآن سينما تتطور وفقا لتطور السينما العالمية إذ حينما ظهرت الواقعية الجديدة في إيطاليا شاهدنا فيلما ك”العزيمة” ثم أفلام صلاح أبو سيف الذي كان مساعدا للمخرج في نفس الفيلم، وفي الستينيات مع ظهور “الموجة الجديد” ليصنع يوسف شاهين سينما بعقلية مختلفة بحيث وقع له تحول في حياته وفي سينماه، وهي صور بالنسبة لي حتى من خارج الاعتبارات السينمائية تشكل لي جزءا من حياتي فحينما أشاهد أفلام فريد الأطرش ك” عفريتة هانم” أو “ما تقلشي الحد” أهتز داخليا رغم أنني في نفس الآن أشاهد فيلم لبيلغي سيلان ك”البيات الشتوي” أو أي فيلم نال السعفة الذهبية وسيعجبني لكن لي مع أفلام فريد الأطرش علاقة شخصية.

حاوره عبد الكريم واكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *